“الجسر المعلق – Suspension Bridge: هو جسر يصل بين برج الفلك والملاعب في سلسلة هاري بوتر، في هذا المشهد يعبر هاري عن يأسه بعد هروب دمبلدور من قبضة وزارة السحر وتركه للمدرسة”
لدى كل منا نافذة، نطل منها أحياناً بقلوبنا ممتدة أنظارنا إلى الضفة الأخرى من النهر، تثقلنا الحياة بأحمالها الصعبة فنعود حيث نجد الراحة التي لطالما نعمنا بها حين كنا صغاراً، حينما عشنا طفولة مليئة بالخيالات السعيدة والمعارك الوهمية ولعل أحد أهم أركان طفولة جيل التسعينيات هي تلك السلسلة الساحرة، هاري بوتر!
عشرون عاماً مضت على إصدار “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” أول كتاب يوثق مسيرة الساحر الصغير “هاري بوتر” ضد خصمه الجبار “من لا يجب ذكر اسمه” وعشرة أعوام انقضت على إصدار الكتاب السابع والأخير للسلسلة “هاري بوتر ومقدسات الموت” حيث معركة هوجوورتس الكبرى بين الخير المتمثل في هاري بوتر وأصدقائه المراهقين بالإضافة إلى ما تبقى من جماعة العنقاء ضد سيد الظلام وأتباعه من آكلي الموت.
عشرة أعوام كاملة كانت بمثابة الرحلة والطريق، هناك نصف مليار نسخة من الكتب الآن تقبع في ملايين البيوت والمكتبات فتحت أبواباً من الخيال لأطفال العالم لم يتصوروا وجودها من قبل، هؤلاء الأطفال كبروا الآن , وقلوبنا بها قبس من الضياء لا ينطفئ قط، تلك السلسلة كتبتها “جي كي رولنغ” وهي مكتئبة في ظل ظروف اجتماعية ومعيشية صعبة، ولعل هذا كان أحد أسباب الأبداع المتدفق عبر عقد كامل.
ألهذا لمست تلك السلسلة قلوبنا بلطف لأنها تخاطب الجانب المكسور في كل إنسان؟التعرض للنبذ من قبل المحيطين بك كما رأينا هاري مراراً مع العامة وبعض أنواع السحرة لا يعني بالضرورة كونك إنسان سيِّئ أو بغيض، أنت مختلف ليس أكثر! تقبل ثقافة الاختلاف كان أحد الدروس المهمة التي علمتنا إياها “رولنغ”.
الوحدة القاتلة التي شعر بها هاري طفلاً وحتى في مراهقته أحياناً مع غياب أصدقائه المفضلين لا تعني نهاية العالم! التكيف مع الوحدة والتعايش معها كان درساً مهماً أيضاً، وإذا لم تستطع التحمل فربما عليك النظر حولك جيداً، ستجد دائماً أحداً ما من أجلك كما رأينا مع “لونا لوفجود”.
شئنا أم أبينا هناك دائماً خسائر في الحياة قد تفطر قلبك، رأينا هاري وهو يخسر والديه ثم زميله “سيدريك ديجوري” ثم والده الروحي “سيرياس بلاك” ثم معلمه وقائده ومثله الأعلى “البوس دمبلدور” والقائمة لا تنتهي، تعلمنا السلسلة أن الحياة تمضي في طريقها وأن تقبل الخسائر جزء أصيل من تجربة أي شخص مهما بلغت قوته ومهما انحدر به الضعف، فقط علينا البقاء متيقظين وترميم أرواحنا ثم المضي قدماً.
أحد أسوأ الأشخاص هو المراهق المتعجرف الذي يظن أنه يملك الحقيقة كاملة! لا أحد يملك الحقيقة كاملة فكلنا بشر مهما عظمت قدرتنا على الفهم والتحليل واستخلاص المعلومات كما رأينا في عجرفة هاري ورغبته المحمومة في إنقاذ والده الروحي والتي أدت إلى مقتله في النهاية، لكن على الجانب الأخر لا يجب على أحد الاستخفاف برأيك فربما تملك الفكرة الصحيحة في الوقت المناسب، كما تأكدنا من شكوك هاري بخصوص دراكو مالفوي كونه تم تجنيده ضمن آكلي الموت.
عليك أحياناً الاستماع لمن هم أكبر منك سناً وأكثر منك خبرةً وحكمة مهما بدوا غامضين ف”البوس دمبلدور” اتضح أن لديه خطة في النهاية أراد منها حماية هاري بقدر الإمكان من التعرض للأذى الجسدي والنفسي فالفتى عانى بما فيه الكفاية!
بالطبع لا يخدعنك للحظة أن تلك الحكمة والمعرفة التي حازها من هم أكبر منا لم تأتِ بغير معاناة مريرة وتجارب قاسية صقلت شخصياتهم كما نراهم، الأن تجربة دمبلدور والتي أخفتها “رولنغ” حتى الجزء السابع عندما انكشفت تفاصيلها لتلطم هاري المذهول بانحرافات وتجاوزات مثله الأعلى، كانت تجربة صادمة لكل طلابه ومحبيه والتي أحسن دمبلدور إخفاءها جيداً حتى مات في اقتحام آكلي الموت لقلعة هوجوورتس في الكتاب السادس “هاري بوتر والأمير الهجين”.
لا يمكنك دائماً الاعتماد على من هم حولك بل عليك أحياناً خوض غمار المواجهات وحيداً مهما كانت التحديات صعبة ومقلقة، لا يستطيع أحد العيش طول الوقت تحت عباءة الخوف من المواجهة والخوف من التجربة بل عليك مواجهة مخاوفك في المنزل، العمل أو الشارع كي تتحرر من هذا العبء الذي يثقل كتفيك، في أغلب المواقف رأينا هاري وهو يتقدم لمواجهتها وحيداً مثل إبعاده للديمنتورات أو قتاله داخل دورة السحرة الثلاثية أو مواجهته في المقبرة لفولدمورت بعد عودته إلى هيئته البشرية ناشراً الرعب والفزع في عالم السحر.
القليل من الاهتمام والهوس لا يضر بل أحياناً يكون سبب في تميز صاحبه وتفوقه على أقرانه كما في حالة “هيرميون جرانجر” المتفوقة التي أنقذت هاري ورون عشرات المرات من مواقف صعبة بفضل ذكائها واجتهادها، هناك أيضاً “أرثر ويسلي” المهووس بالعامة وطريقتهم في المعيشة والذي يجلب له المتاعب من جهة وزارة السحر حيناً ومن جهة زوجته حيناً أخرى.
الكثير من الهوس قد يضر بصاحبه للغاية كالهوس بنقاء الدم والبعد عن العامة والسحرة مختلطي الدماء، فمعظم النار يأتي من مستصغر الشرر، نحن أنقى دماً من الأخرين أو ديني أفضل من دين الأخرين أو نحن شعب الله المختار، كلها تبدأ من هنا ثم تنتهي بصاحبها إلى التعصب الأعمي والجنون، كما شهدنا بيلاتريكس ليسترانج في حربها الخاصة لتقليم شجرة عائلتها من الخونة خائني الدم كابنة أختها تونكس التي قتلتها في معركة هوجوورتس أو سيرياس بلاك الذي أردته قتيلاً في وزارة السحر.
ليس كل شيء يبدو كما هو عليه، تعلمنا ذلك بوضوح من خلال سيفروس سناب، مدرس مادة الوصفات السحرية.
قصة سناب قصة مأساوية للغاية، حب معذب ويائس بدأ بين سناب وليلي والدة هاري حينما كانوا صغاراً إلا أن توجهات سناب وانضمامه إلى آكلي الموت فرقت فيما بينهم حتى ظهرت نبوءة ذات يوم نصها:
“صاحب القوة الكافية لهزيمة سيد الظلام يقترب، سينجيه من تحديه ثلاث مرات، ويولد مع موت الشهر السابع.. وسوف يراه سيد الظلام نداً له، ولكنه سيحوز على قوى لا يعرفها سيد الظلام.. وسيموت أحدهما على يد الأخر؛ حيث لا يمكن لأحدهما أن يحيا والأخر حي.. صاحب القوة الكافية لهزيمة سيد الظلام سيولد مع موت الشهر السابع”
تنصت سناب على جزء من تلك النبوءة وهرع ليخبر سيده ليتضح في النهاية أن النبوءة تخص ليلي، ندم سناب بعدها ندماً شديداً على تسرعه وطلب من فولدمورت أن يصفح عن ليلي في مقابل ابنها، لكن ليلي قدمت التضحية الأعظم بوقوفها أمام فولدمورت ليقتلها هي ويحيا ابنها بتضحيتها التي تجري في دمه.
انضم سناب بعد ذلك إلى دمبلدور وكلفه دمبلدور بمهمة كريهة إلى نفسه وهي حماية ابن ليلي وجيمس بوتر، جيمس الذي لطالما اضطهد سناب أيام المدرسة وقام سناب بالمهمة بالرغم من اضطهاده أحياناً لهاري كونه يذكره دائماً بأبيه، بالطبع كل تلك التفاصيل لم تصل إلى علم هاري سوى في النهاية ليتضح أن سناب جاسوس لدمبلدور ضد فولدمورت وأنه قتل دمبلدور بطلب منه كي يحمي دراكو مالفوي من انتقام فولدمورت حال فشله في قتل دمبلدور
نحن نكمّل بعضنا بعضاَ فلا يوجد شخص ما يحوز كل شيء، بالرغم من حيازة هاري للمال الوفير الذي ورثه عن أبيه، لكن كل هذا المال لا يهم طالما أنه لا يملك عائلة من أي نوع، على الجانب الأخر صديقه رون ويسلي يمثل المال بالنسبة له ولأسرته مشكلة، لكن منزلهم يفيض بالحب والسعادة التي تغدقهما والدة رون بالإضافة إلى المرح الذي ينبع من شقاوة الأخوين فريد وجورج.
العالم في تكوينه الأصلي ليس شريراً ولا يولد أحد بداخله ضغينة لأحد، فقط طبائع البشر هي التي تتغير تدريجياً لتعكس أفكارهم السقيمة التي يكتسبونها من محيطهم العائلي أو المدرسي أو المجتمعي، كما أخبر سيرياس هاري في منزل عائلته القديم الذي لطالما كرهه عندما أفضى هاري بخوفه مما يتراءى له من رؤى وقلقه من تحوله لشخص سيِّئ..، حينها طمأنه سيرياس بأنه شخص طيب تعرض فقط لبعض المواقف السيئة، بالإضافة إلى ذلك فالعالم لا ينقسم بين من هو شرير ومن هو خَيِّر لأننا جميعاً يتصارع بداخلنا الخير والشر، ما يهم فقط هو الجانب الذي نسانده وندعمه.
الثقة ركن أساسي في أي علاقة وبدونها لا يمكن لأي علاقة أن تستمر، علينا أن نمنح ثقتنا لمن يستحقها..، كذلك الوفاء: الوفاء للصديق أو الوفاء للمعلم أو الوفاء للقائد، صفة مميزة لمن هم أنقياء ويحفظون العهد.
ربما لا نستطيع في العالم الحقيقي امتطاء الثيسترالات والتنانين والطيران بهم إلى حيث نريد، ولا يمكننا الإمساك بعصا سحرية والتلويح بها لتنتهي مشاكلنا في غمضة عين، لكننا تعلمنا دروساً حياتية مهمة جعلتنا أناس أفضل كوننا جزءاً من عالم هاري بوتر السحري.