وفي الاسبوع التالي لقيناهما مرارا عدة وكانا يقدمان لنا خدمات كثيرة . فاذا اردنا الذهاب الى الى احد المطاعم الفاخرة كنا نعتمد عليهما واثقين من انهما خير من يقدم لنا ما نحتاج اليه بهمة ونشاط وسرور وكان اكثر ما يدهشني منهما رغبتهما التي لا تعرف الملل في ممارسة اعمالهما، ففي تلك الايام المحرقة من الصيف وفي الامسيات الطويلة التي يهب فيها الهواء باردا من الجبال، كانا يمسحان الاحذية ويبيعان الفواكه والصحف ويرافقان السياح ويقضيان كل مهمة تعهد اليهما ولا يدعان فرصة سانخة مما تتيحه لهما الحالة الاقتصادية في المدينة، وهي حالة لم تكن استقرت بعد في اعقاب الحرب العالمية الماضية (1) وفي احدى الليالي فاجاناهما في ساحة مقفزة من الناس ، تعصف فيها الريح بشدة وكانا على قارعة الطريق تحت ضوء المصابيح الشارع الباهتة . كان نيكولا مسندا ظهره الى الحائط وقد بدتعلى وجهه علامات التعب الشديد وبجانبه رزمة من الصحف لم يبعها، وكان يعقوب نائما وراسه على كتف اخيه وكان ذالك في منتصف الليل ، فقلت :لماذا لا تزالان في الطريق في مثل هذه الساعة المتاخرة من الليل ؟ فانتفض نيكولا مذعورا اذا فوجئ بسماع صوتي.... ولكنه لم يلبث ان نظر الي بعينين هادئتين حازمتين وقال : اننا نتظر وصول الصحف ومتى وصلت فسنبيع كل ما لدينا من نسخ ولكن هل من الضروري حقا ان ترهقا نفسيكما بالعمل الى هذا الحد؟ ان التعب الشديد باد عليكما.