جميعنا نشأنا على تلك الرسوم الجميلة التي كانت مصدر متعة لنا ولعل اجمل اوقات طفولتنا لربما كانت هي موعد عرض تلك المسلسلات التي ننتظرها بفارغ الصبر.
الأ ان اكثرنا ما ان يكبر به العمر حتى يعرض عنها ويبدأ بمشاهدة الأفلام الواقعية او متابعة نشرة الأنباء ..الخ, ظنا منه انه يضيع وقته بمشاهدة تلك الرسوم
التي أعدت للأطفال ( في الحقيقة ان أغلب الرسوم المتحركة أعدت خصيصا للكبار ولكن ذلك الموضوع لوقت آخر )
لذلك اليوم مدافعا عن حقوق الأطفال و الكبار سأعطيك ما يكفي من الأسباب للتنحي عن التلفاز واعطاءه لأخيك الصغير لكي يشاهد مسلسله المفضل على سبيستون.
بداية, هل حقا لمسلسلات الرسوم المتحركة فوائد؟ وهل تستحق هذه الفوائد الوقت الذي سيبذله الشخص فيها؟
أجابة على السؤال الأول : نعم فوائد كثيرة و أراهن انك لم تكن لتتوقف عن مشاهدتها لو كنت تعرفها سابقا.
1- تعلم اللغة العربية بشكل صحيح ودقيق : ان كنت تحب الأستماع الى شارات المسلسلات مثلي فأنا متأكد انك رأيت أسماء الممثلين الصوتين من امثال "آمنة عمر, رأفت بازو...الخ" وأسماء المغنين مثل "طارق العربي, رشا رزق " وغيرهم. ولكن هل انتبهت يوما الى أخر الأسماء؟
في اغلب الأحيان فأن تلك الأسماء تشمل المدققين اللغويين الذين ساهموا في اخراج لغة المسلسل المدبلجة بشكل لغوي صحيح وبلا أخطاء
وبحكم ان لغتنا العربية هي لغة سماعية فأن مشاهدة 20 دقيقة من اللغة العربية الفصيحة هي في الحقيقة ليست الا درسا في اللغة العربية ولكنك تتعلمه من دون ان تعلم. فبعد كل حلقة تكون تعلمت لا أراديا الرفع والنصب والكسر وما شابه ذلك من دون علمك هذا فضلا عن تعلمك لا اراديا لقراءة الشعر بطريقة صحيحة. فلا تقاطع أخاك الصغير عن درس اللغة العربية بل دعه يجهتد.
2- مدخل الى عالم الخيال : بحكم الواقع فأن وصف الخيال بالرسم يكون اسهل من الكتابة عنه او محاولة تمثيله ومن هنا كان تعد الرسوم المتحركة احد أفضل مصادر تمنية الخيال الواسع وجعله خصبا ولو سألتك يوما عن هيئة "الملاك " انا واثق انك ستتخيل وجها جميلا بأجنحة بيضاء
والأمر سيان للجميع لأن خيالنا يرتبط بما شاهدناه سابقا وتعلمناه ( لون ابيض يرتبط بالخير, وجه حسن مرتبط بمنزلة الملاك ) ولكني واثق انك تخيلت اجنحة بريش وليست كأجنحة الخفاش. والسبب يعود كما قلنا اننا لتمثيل الخير نتخيل ريش الحمام المسالم وليس شيئا مرعبا كالخفافيش
ان هذه النظرة للملاك ماهي في الواقع الا تجسيد للخيال وصلنا اليه من خلال رسومات سابقة شاهدناها لأننا لم نرى ملائكة بعيننا مسبقا, ولأن تستطيع تقريبا ان ترسم اي شيء يدور في بالك من وحوش وشياطين وجنات و اسلحة و بحار و عمارات
كان لمشاهدة الرسوم المتحركة المتنوعة أثرها واضحا في تمنية خيالنا وبناءه بطريقة فريدة عن من لم يعتادوا مشاهدتها
3- عاطفة ومبادئ: رغم انك قد لاحظتها سابقا ولكن ان أغلب من تابعوا مسلسلات رسوم مترحكة في صغرهم نضجوا على قيم ومبادئ مثل الصدق و المثابرة و الأخلاص والمحبة ونبذ الكذب والسرقة والخ. ويعود السبب الى مسلسلات الرسوم تستهدف في مضمونها هكذا قيم ( على عكس أفلام الأكشن الممتعة التي تربي العنف )
ولما كنا صغارا جميعا لابد لك ان تتذكر كثيرا من اللحظات الحزينة التي تتمنى لو تستطيع ان تقوم بضرب الشرير بنفسك ( كلحظة موت ألفريدو من عهد الأصدقاء , او استغلال سالي كي تعمل كخادمة, او جعل ريمي والأيتام يعملون ليل نهار لأجل الجشع كاسبر ) ان هذه اللحظات التي أبكت كثيرا منا
كانت بدون وعي منا مبدأ يعملنا عدم الكذب, وعدم الأساءة وان نكره الشر والظلم والذين يستغلون الناس أمام أعيننا وليس هذا فقط
ماذا عن الفشل, المثابرة, المحاولة جديد, عدم اليأس, النظر للجانب المشرق كل ما شاهدتها اكثر كل ما ادركت انك تريد ان تكون مثلها شخصا محبوبا ,مجتهدا , محبا للناس والخير ولهذا فأنك كل ما شاهدت مسلسلا يسقط البطل مرة لينهض بعزم وأصرار مرة اخرى ( حسان, ماجد, نعيم, بنيت لنفسك حجرا تستند عليه حينما تسقط انت.
4- وحي الثقافة والمعرفة : من دون ادنى شك ان مسلسلات الرسوم المتحركة هي احدى مصادر المعرفة للأطفال والكبار على حد سواء
من معلومات عامة من التاريخ والأمثال والعلوم البسيطة والجغرافيا وغيرها. فلو شاهدت مسلسل سالي الحلقة الأولى سترى انها تصف ساعة Big Ben
في لندن و بعدها بلحظات تصف كنيسة "westminster abbey" (او بشكل ادق هي كاتدرائية)
او حينما يعلمك المحقق كونان في حلقاته الأولى كيف تشعل نارا بأستخدام العدسة بتسليط ضوء الشمس عليها وغيرها من المعلومات البسيطة في العلوم والجغرافيا , اما في التاريخ فكل ما تحتاجة ان تشاهد مسلسل " ليدي أوسكار " فقد وصف حياة الملكة "ماري انطوانيت" بدقة متناهية فضلا عن انه قام بتسجيل الأحداث بتاريخها وحافظ على أسماء الشخصيات بل كأنك تعيش معهم لما فيه من دقة ومعلومات تكاد اشبه تكون بفيلم سيرة ذاتيه
وكذلك كان فلم "قبر اليراعات " و " الأعصار المدمر " و " مدينة الأمل " بل ان كوكب أفلام على سبيستون كان اشبه بكتاب تاريخ.
وغيرها العديد من المسلسلات تصف احداثا او معلومات او تجسد بكل بساطة روايات عالمية مثل ( جزيرة الكنز, الماسة الزرقاء, صاحب الظل الطويل, دروب ريمي ..والخ)
5- المتعة : ان من أجمل مزايا العقل هو اننا كلما احببنا اكثر, كلما استمتعنا اكثر كلما استفدنا نحن اكثر, ان المتعة هي شرط اساسي في النمو الصحي السليم
وجعله صحيا, بل ان الأنسان الذي لا يستمتع معرض لأخطار عدة ومنها قله الأبداع و الأنعزال والبؤس ( وهذا يشمل الكبار والصغار ) ان هذه اللحظات الجميلة على شاشة التلفاز هي سبب من أسباب جعلك اجتماعيا وفعالا في المجتمع
وبكل تأكيد هناك المزيد من الفوائد ولكني سأكتفي بما كتبته من اسطر لانتقل الى الواقع
*حينما كنت صغيرا وحتى تخرجت من الثانوية كان درس اللغة العربية سهلا وسلسلا وكل هذا بفضل هذه المسلسلات والأغاني الخاصة بها, بل ان الأغاني كانت سببا أساسيا جعلني اتقن قراءة الشعر والنصوص الأدبية بدون اي جهد يذكر وشاهدت الكثيرين ممن عانوا وشقوا بسبب صعوبة اللغة ممن لم يشاهدوا المسلسلات.
*كان لمشاهدة الرسوم المتحركة كثيرا أثر في جعلي متميزا في البيت او في المدرسة على حد سواء فكنت الاحظ ان خيالي اوسع من اقراني ولدي القدرة دائما على ان آتي بما هو جديد بدون عناء.
*لا اخفي عليكم ان مسلسل انا واخي كان سببا حقيقيا في جعلي اهتم بأخي الصغير بعد ان كنت لا اهتم به ابدا لا سيما ان اخي كان في عمر وسيم وانا في عمر سامي تقريبا كانت كل حلقة تجعلني لنفسي لماذا لا اتصرف مع اخي هكذا, وتاخذني الأفكار في دروس تربوية عميقة جعلت علاقتي بأخي تتحسن الى يومنا هذا.
اما حسان فقد كنت في وقتها اهوى رياضة كرة المنضدة والشطرنج والأمر الذي شجعني عليها كنت اراه يتطور مع انه لم يكن يعرف شيئا عن كرة السلة
وهكذا كنت انا كنت لا أعرف شيئا عن كرة المنضدة او الشطرنج ولكني كنت اتقدم خطوات صغيرة معه حتى وصلت اليوم الى مرحلة الأحتراف الدولي في الشطرنج (اما في كرة المنضدة اصبحت جيدا ولكني لا استطيع ان اهزم اخي الصغير ابدا)
*في المرحلة الثالثة من الكلية كان استاذي يتحدث عن احد المواضيع الجانبية عن الحياة وفجأة قال زرنا كنيسة "westminster abbey" وقل ان يكمل قال" هل يعرفك احدكم اين تقع فأجبته فورا " ان كنت تصدق الكاتدرائية وليس الكنيسة فهي تقع في لندن " لا اخفي عليكم استمتعت بشدة في أجابته
بينما البقية يقفون بدهشة.
*كان لريمي أثر كبير في جعلي اهتم بالتجوال والموسيقى وحتى اني لا أزال الى اليوم احلم بالتجوال والسفر واحب الأستماع الى الأغاني والموسيقى بسببها.
كنت أضحك كثيرا حينما اشاهد مسلسلاتي المفضلة ( سلام دانك, القناص, المقاتل النبيل..الخ ) ولا أخفي عليكم انها متعة فائقة الوصف ان تضحك وتستمع وتغني وتتعلم في وقت واحد
الأن ان كنت تريد ان تأخذ التلفاز من اخيك الصغير الذي يشاهد مسلسله المفضل فربما غيرت رأيك لتشاهد معه
ذكرت مقولة كاتدرائية وليس كنيسة هذا لان هناك اختلافا بسيطا بينهما لمن يحب ان يبحث ولكن لنقل فقط ان الأمر مشابه للمسجد والجامع والمصلى لدينا نحن فكلها مختلفة ولكنها متشابهة في الوقت نفسه
وايضا قلت ان المسلسلات للكبار والصغار وهنا لابد ان اذكر ان عليك يا صديقي ان تختار بينها فمسلسلات الرسوم المتحركة فيها الهادف وما أكثرها وفيها ما هو مضيعة للوقت, ولكن ضع في حسابك ان هذه المسلسلات يعمل عليها اشخاص كبار ومعظمهم تجاوز الأربعين ولذلك ان انتقيت بعناية ما تشاهده فانا اضمن لك انها لن تكون مضيعة للوقت مهما كان عمرك . ولكن كل شيء يزيد حده سينقلب ضده فنظم وقتك جيدا.
أوليس في المتعة فائدة؟