صفحة 1 من 10 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 194

الموضوع: رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة ^^ (موضوع متجدد حلقة حلقة بإذن الله)

  1. #1
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    Lightbulb رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة ^^ (موضوع متجدد حلقة حلقة بإذن الله)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أرجو أن تكونوا جميعا بخير، وكما وعدناكم.. ها هي الهدية أصبحت جاهزة بين أيديكم بفضل الله.. فهل أنتم مستعدون؟ ^^

    بسم الله نبدأ..

    تعبيرا عن حبي وتقديري لـ "سبستون"، وعرفانا بفضلها وجميل صنعها وما قدمته من اعلام ترفيهي هادف ومميز، يسعدني أن انشر حلقات "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على الانترنت عبر موقعها..
    وذلك نظراً لازدياد عدد السائلين عن الرواية، وعدم تمكنهم من الحصول عليها، إلى جانب عدم توفرها على النت حتى الآن!
    وهكذا.. سيتم نشر الرواية بشكل حلقات متسلسلة على منتدى سبيستون - إن شاء الله- بحيث تكون في متناول الجميع، ليكون هذا هو الرابط الرسمي والوحيد للرواية على النت بإذن الله، وأرجو عدم تصديق أي إعلان أو موقع يدّعي بأنه يحتوي على رابط رواية "مدرسة الفروسية" كاملة!
    علما بأن حقوق الرواية محفوظة بالكامل، ولا يحق لاي احد نشرها بأي شكل، دون إذن خطي من المؤلفة "زينب جلال الأصفر"، وبما أنني المؤلفة هنا.. فقد أعطيتُ الإذن لنفسي بنشرها على كوكب مغامرات

    وهنا تجدون رقم الايداع الذي يؤكد حفظ الحقوق (للاحتياط)
    المملكة الأردنية الهاشمية
    رقم الإيداع لدى دائرة المكتبة الوطنية
    (3135 /9/2013)

    وقبل الدخول إلى عالم القصة؛ لا بد لنا من التنويه إلى أن جميع الأسماء والمسميات والأماكن الواردة في هذه القصة ليست حقيقية، فإن وُجد تطابق مع اسم موجود في الواقع فهو بغير قصد..

    كما أن أحداثها تدور في عالم خيالي قديم، وهناك مصطلحات خاصة بعالم الرواية.. مثلا هناك ما يُعرف بـ "رقعة التجوال الجلدية"، وهي تقابل جواز السفر في عالمنا الحقيقي.. وهكذا ^^

    ارجو أن تقضوا أوقات ممتعة ومفيدة، فهناك الكثير من الأحداث والمفاجآت، ولا تنسوا تفقد المناطق الواردة في القصة على الخريطة، لتعرفوا مواقعها جيدا (:

    وكما قالت إحدى القارئات واسمها "لجين" :
    " القصة جميلة جدا تذكرني بمسلسلات سبايس توون "
    ^^
    ونحن نتمنى أن تكون عند حسن الظن، وتحوز على إعجابكم، فتابعونا، واذكرونا بصالح دعائكم..
    ولننطلق على بركة الله مع سلسلة حلقات "مدرسة الفروسية"


    الحلقة الأولى: الرحيل


    عندما بدأت مملكة "رامان" تعلن مد أطماعها نحو (منطقة المروج الخضراء)، لخصوبة أراضيها ووفرة مياهها، والأهم من ذلك؛ لموقعها المميز الهام والذي يعد البوابة الرئيسة لسائر المناطق الأخرى، رفض أحرار المروج الخضراء الخضوع لذلك العدوان الظالم.. وهكذا.. اندلعت الحرب في المنطقة، بعد أن تصدى القائد "نور الدين منصور" ورجاله لجنود رامان، في مدينة "شمس"، ثم بدأت الأخبار تنتشر في المناطق الأخرى تدريجيا...

    *****

    وفي منطقة الجبال.. وتحديدا في مدينة "رياح"..

    كانت الأمطار غزيرة ودوي الرعد يصم الآذان؛ عندما وصل فتى لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره مدرسة (النصر للفروسية)، حافي القدمين ممزق الثياب، إلا أن بريق الأمل يشع من عينيه البريئتين، لم يجد اليأس طريقا إلى قلبه رغم ما أصابه، شديد الثقة بالله قوي العزيمة مصمما على تحقيق هدفه النبيل الذي يرنو إليه رغم صغر سنه وقلة خبرته في هذه الحياة، قال لنفسه- وهو يحدق في البناء الضخم أمامه:
    - ها أنا أخيرا أمامك يا مدرسة الفروسية وسأحقق أحلامي بإذن الله..
    جمع قواه وخطا خطوتين إلى الأمام طارقا الباب الذي فُتح بعد لحظات معدودة، حسبها سنوات طويلة من الانتظار..
    حدق رجل بدا في العقد الخامس من عمره في وجه الفتى بدهشة، إلا أنه سرعان ما استدرك رد التحية شاعرا بشفقة لا حد لها على هذا الصغير، فأخذه إلى الداخل وساعده على تجفيف ثيابه أمام مدفأة خبا وهجها.
    تنهد الفتى بارتياح رغم القلق الذي ساوره، فطمأنه الرجل بابتسامة مشجعة علت وجهه السمح قائلا:
    - هل لك أن تخبرني يا بني بالذي جاء بك في هذا الجو العاصف، وقد أرخى الليل سدوله؟
    ترقرقت عينا الفتى بالدموع لكنه تشجع قائلا:
    - أود الالتحاق بهذه المدرسة يا عماه..
    قفزت لعيني الرجل نظرة غريبة، وقال بنبرة لا تخلو من دهشة:
    - يبدو أنك غريب عن هذه المنطقة فليس الالتحاق بالمدرسة بهذه السهولة عليك أن تمر باختبارات قبل الموافقة عليك، وقد جرى خلال هذا الأسبوع رَفضُ الكثيرين ممن هم أكبر منك سنا وأقوى بنية!
    بدا على الفتى قليل من الارتباك إلا أنه رد بثقة قائلا:
    - سأنجح بإذن الله، فقد واجهت الكثير من المصاعب قبل أن أصل إلى هنا، ولن أيأس أبدا إن شاء الله..
    أُعجب الرجل بعزم الفتى وتصميمه، فابتسم قائلا:
    - وفقك الله يا بني، سأدعك تستريح الآن ولن أرهقك بالأسئلة أكثر، فيبدو عليك التعب والإرهاق، وفي صباح الغد ستقابل المدير شامل إن شاء الله..
    ثم أردف قائلا وهو يقوده إلى غرفة مريحة:
    - لم تخبرني عن اسمك يا بني؟
    ابتسم الفتى وهو يشعر بسعادة غامرة، ثم قال:
    - اسمي علاء ، علاء نور الدين منصور..
    تسمر الرجل مكانه كمن تلقى خبرا مفاجئا أذهله، فرد متأنيا:
    - نور الدين منصور!
    علت دهشة خفيفة قسمات وجه علاء فأومأ قائلا:
    - أجل.. إنه أبي يا عماه..
    فقال الرجل بحذر أكثر:
    - تقصد القائد نور الدين منصور في منطقة المروج الخضراء؟!
    فأجابه علاء وقد تهلل وجهه فرحا:
    - أجل أجل إنه هو..
    وأردف متسائلا:
    - أو تعر فه أنت يا عماه؟
    لم يتمالك الرجل نفسه، فمد يديه وعانق علاء بشدة وقد غمرت عيناه الدموع، وخرجت الكلمات متهدجة من فمه:
    - ومن منا لا يعرف القائد المجاهد نور الدين منصور، الذي أرق مضاجع "رامان" بأسرها، أعظم ممالك هذا الزمان!
    ثم تابع:
    - إننا نتوق شوقا هنا لمعرفة أخبار إخواننا المجاهدين هناك، ومن نعمة الله علينا أن أنشأت دار الأخبار السريعة جدارا لها بالمدينة، إذ لم يعد جدار الأخبار الموثقة يفي بحاجتنا الملحة لمتابعة الأخبار أولا بأول.. صحيح أنها قد تكون مشوبة بالشائعات والمبالغات، لكنها تصلنا على أية حال..
    وتنهد كمن يخاطب نفسه:
    - لم أحلم أبدا بمقابلة ابن ذلك القائد..
    وأغمض عينيه كمن يسترجع أحداثا أثرت فيه كثيرا- وعلاء يتأمله بدقة حتى يفهم بعمق ما يعني له ذكر اسم نور الدين من معاني عظيمة- ثم فتحهما أخيرا كمن أفاق من حلم طويل مطلقا تنهيدة أطول:
    - لازلت أذكر أول يوم سمعنا فيه عن القائد نور الدين، كان ذلك منذ ثلاثة أشهر تقريبا.. يومها شعرنا بالفخر والاعتزاز، وحمدنا الله الذي سخر لهذا الدين من يذود عنه..
    ثم استدرك فجأة:
    - هل تعني أنك جئت من منطقة المروج الخضراء؟
    ولم ينتظر الرجل جوابا بل قال وقد غلبته عاطفة الأبوة الحانية:
    - لاشك أنك متعب وجائع أيضا يا بني، وليس من اللباقة أن أثقل عليك أكثر؛ رغم لهفتي وشوقي لسماع أخبارك..
    وابتسم بمرح:
    - لم أعرفك بنفسي بعد.. إنني عاطف.. المشرف على الطلاب في هذه المدرسة..
    وتابع مبتسما:
    - ولن أبالغ في مدح نفسي إن قلت لك انني بمثابة الأب الحنون لهم أيضا، وأقولها لك من الآن بأن لا تتردد بإخباري عن أي شئ يضايقك..
    ابتسم علاء شاكرا:
    - جزاك الله خيرا يا عمي..
    قدم عاطف وجبة عشاء خفيفة لعلاء، و هم بإطفاء السراج فاستوقفه علاء بأدب قائلا:
    - عفوا يا عمي، هل لك أن تخبرني عن اتجاه القبلة من فضلك؟
    علت نظرات التقدير والإعجاب وجه عاطف الذي أجاب مشيرا بيده:
    - باتجاه النافذة..
    ثم اتجه إلى مقعد في زاوية الغرفة، تناول من فوقها سجادة خضراء، فرشها بذلك الاتجاه، ثم أشار إلى باب جانبي قائلا:
    - وهناك الميضأة..
    فشكره علاء ممتنا، ثم صمت برهة قبل أن يتابع على استحياء:
    - أيمكنك إيقاظي لصلاة الفجر إذا سمحت يا عمي، فأخشى أن تفوتني!
    ابتسم عاطف موافقا:
    - يسرني ذلك يا بني، أما الآن فالأفضل أن تخفف في صلاتك حتى لا تتأخر عن نومك أكثر، فجسمك بحاجة إلى الراحة وإن لبدنك عليك حقا، وسأبقى بانتظارك حتى أطمئن عليك..
    علت حمرة خفيفة وجه علاء وهو يقول:
    - اعذرني يا عمي لن أطيل، فسأصلي ركعتي الشفع والوتر فحسب إن شاء الله، فقد أديت صلاتي المغرب والعشاء قصرا وجمعا بحمد الله في مسجد قابلته قبل وصولي إلى هنا..
    أطفأ عاطف السراج أخيرا، وهو يلقي نظرة حانية على علاء، الذي غط فورا في نوم عميق، وردد في سره:
    - حفظك الله يا بني وجعلك ذخرا للمسلمين..
    ثم أغلق الباب خلفه برفق..
    ***

    أخذت أشعة الشمس الذهبية تتسلل من النافذة لتوقظ علاء بلطف، فتذكر بصعوبة أنه أدى صلاة الفجر، لكنه لم يذكر أبدا كيف عاد إلى النوم من جديد، بل انه حاول جاهدا أن يذكر كيف استيقظ للصلاة أصلا دون جدوى، حتى قطع عليه عاطف حبل أفكاره:
    - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
    وبعد أن تدارك علاء نفسه، رد التحية مبتسما:
    - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، صباح الخير يا عمي..
    فبادله عاطف ابتسامته بوجه متهلل صبوح وقد اطمأن على حالته:
    - أصبحنا وأصبح الملك لله، الحمد لله؛ أرى أنك نمت جيدا هذه الليلة بفضل الله، فوجهك يطفح بشراً وبهاء، ما شاء الله..
    ثم تابع مبتسما:
    - أليس كذلك أيها الفتى المغوار؟
    أومأ علاء مبتسما، وقد علت وجنتيه حمرة خفيفة، فقال عاطف مشجعا:
    - يجب أن تستعد لمقابلة المدير، بعد أن تتناول طعام الإفطار، فلا تنس أن تعد نفسك جيدا..
    ثم تابع جملته وهو يغمزه بعينه ليدخل روح الحماس إلى قلبه:
    - لا شك أن المدير في شوق لرؤيتك أيضا..
    لم يدر علاء كيف مرت تلك اللحظات وما بعدها حتى وجد نفسه أخيرا أمام المدير الذي كان في عمر عاطف، لولا ذلك الشيب الغزير الذي غزا لحيته الكثة، فبدا أكبر من سنه بكثير، كان عظيما بعمامته، أنيقا في هيأته، ورغم ذلك النور الذي يشع من وجهه الوقور، وتلك الابتسامة الهاشة الباشة التي توجته؛ إلا أن رعشة خفيفة سرت في جسد علاء، إذ لم تكن الهيبة تنقص المدير شامل شاهين على الإطلاق، الرجل الأول في مدرسة النصر للفروسية، فابتدر علاء بوجه طلق صبوح، وهو يشير إلى مقعد أمامه:
    - تفضل، استرح يا بني.. سررنا بمعرفتك، فهل لك أن تخبرنا بقصتك كاملة..
    أطبق علاء جفنيه للحظات يسترجع أحداث قصة طويلة..

    ***


    فما هي الأحداث التي مرت بعلاء قبل أن يصل إلى المدرسة؟
    وكيف تمكن من الوصول إلى منطقة الجبال البعيدة عن مدينته "شمس" في منطقة المروج الخضراء؟
    وماذا حدث لوالديه؟

    هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة إن شاء الله (:

    وحتى ذلك الحين.. لا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  2. #2
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    السلام عليكم ما شاء الله بداية موفقة لك و لهذا البطل شجاع ^^

    ياريت لو تحكي لنا عن بطولاته و مغامرات شيقة التي مر بها ♥

    بانتظارك أرجو أن تكملي تنزيل حلقات ف نفس الموضوع دمت بخير ^^



    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


  3. #3
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة الثانية: ذكريات علاء ج1 / الضياع


    الحلقة الثانية: ذكريات علاء ج1/ الضياع




    عندما اشتعلت ألسنة النيران في كل مكان من مدينة شمس ملتهمة الأخضر واليابس، لوضع حد لمقاومة نور الدين ورجاله.. كان علاء يقضي معظم وقت فراغه في غرفته وهو يفكر ويخطط لايجاد طريقة، يتمكن من خلالها تقديم المساعدة لوالده، غير الاعتناء بأخيه الصغير عندما تغيب أمه عن البيت، فرغم ما كررته أمه على مسامعه مرارا من أن مهمته تلك لا تقل أهمية عن دور والده، إلا أنه ما كان ليقتنع بذلك أبدا.. كان يود لو تمكن من خوض معركة حقيقية يثبت فيها لوالديه أنه أصبح رجلا شجاعا يعتمد عليه..
    حتى جاء ذلك اليوم الذي سمع فيه نداء أمه عليه وعلى أخته هناء، فلبى نداءها بسرعة، وقد ترقرقت عيناه بالدموع، فهل نسيت أمه أن أخته قد قتلها أولئك الأوغاد!! لكنه أخفى دموعه بسرعة وقال:
    - هل تناديني يا أماه!! إنني هنا في غرفتي، وأخي بهاء ما زال نائما، أما هناء فقد....
    واختنقت الكلمات في حلقه؛ فبدا لأسماء أن أعصابها لم تعد تحتمل المزيد ، فعانقت ابنها بحرارة وهي تحاول كبت مشاعرها وإخفاء دموعها وتتصنع الصلابة بقولها:
    - لا عليك يا بني، هيا فقد حان وقت الرحيل..
    فرد علاء بقلق، وكأنه كان يخشى سماع هذا القرار:
    - ألن نبقى هنا يا أمي ندافع عن منزلنا ومدينتنا !
    فقاطعته الأم بحزم:
    - اذهب واحضر أخفّ ما يمكنك حمله، ولا تتأخر فسنرحل بعد قليل..
    التفت علاء إلى والده، متجاهلا ما كان قد سمعه من حوار بينه وبين والدته:
    - سترحل معنا يا أبي؟!
    لم تتمالك اسماء نفسها فذهبت قائلة:
    - سأوقظ بهاء وأعد الحاجيات..
    أما نور الدين فقد حاول جاهدا حبس دمعة ساخنة، كاد ابنه أن يلاحظها:
    - ستذهب مع أمك وأخيك؛ أما أنا فلديّ بعض الأعمال هنا وعلي تسويتها مع بعض الرفاق..
    فقاطعه علاء بلهفة:
    - سأبقى معك يا أبي، صدقني سأكون عونا كبيرا لكم..
    ربّت الأب على كتفه قائلا:
    - كلا يا بني، يجب أن تذهب مع أمك وأخيك وتكون بجانبهما لتحميهما، وسيكون لديك الكثير من الواجبات والأولويات، عليك القيام بها..
    ثم أمسك بكتفيه بقوة وعطف في آن واحد:
    - اسمعني جيدا يابني، أرجو أن تفهم ما سأقوله لك الآن، فربما لن تتاح لي فرصة الحديث معك بعد اليوم، فانت ابني الأكبر وانني أثق بك وأعتمد عليك بعد الله عز وجل..
    خفق قلب علاء بشدة رغم صغر سنه، إلا أنه حاول أن يبدو بمظهر يلائم المسؤولية الملقاة على عاتقه، فأجاب بحماسة:
    - أعدك يا أبي بأنني سأفهم كل كلمة تقولها وأحفظها عن ظهر قلب، وسأكون عند حسن ظنك بي إن شاء الله فلا تقلق بهذا الشأن..
    ابتسم الأب بارتياح عميق، وهو يطبق جفنيه كمن يشاهد حلما جميلا سره:
    - كنت أحلم دائما أن أراك رجلا عالما يتحلى بالحكمة، ويسعى لإعلاء راية الإسلام يا علاء..
    وصمت برهة قبل أن يقول:
    - أي بني.. لقد ابتعدت أمتنا عن دينها، فتفككت وانشقت صفوفها؛ وسلط الله علينا من لايقيم شرع الله فينا، وستكون فتن كقطع الليل المظلم ، القابض على دينه كالقابض على الجمر، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام..
    التقط الأب أنفاسه قبل أن يتابع:
    - قد لا تفهم ما أقوله الآن يابني، ولكنني أريدك أن تذكر دوما أن والديك اجتهدا لينشآك نشأة اسلامية حقة، سميناك علاء، وكلنا أمل أن تسير على درب القائد العظيم، الولي التقي "العلاء ابن الحضرمي".. وإنني اسأل الله سبحانه أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، ويحميك من كل سوء.. فعليك بالدعاء يا بني، وتذكر ما علمتك اياه دوما...
    فأسرع علاء - يريه منه خيرا يطمئن قلبه- وهو يردد ما حفظه عن ظهر قلب: ( وجعلت قرة عيني بالصلاة) ..
    فتهلل وجه الأب بشرا، وطبع على جبين ابنه قبلة حانية، وهو يضمه إليه ضمة بثها مشاعره وأحاسيسه، قبل أن يلتفت إلى أسماء التي وقفت حاملة طفلها الصغير، غارقة في دموعها فما عادت تقدر على حبسها، فاتجه نحوها في صمت حزين يكبت من خلاله أقوى مشاعر الحب و الرحمة في قلبه.. وألقى نظرة أخيرة على ابنه الذي لم يتجاوز العامين فقبّله وأشاح بوجهه بعيدا خشية أن تلمح زوجته دموعا عجز عن حبسها.. مضت لحظات عصيبة.. وأخيرا تكلم نور الدين بصعوبة وهو يحمل حقيبته:
    - استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه..
    ثم التقط أنفاسه المتلاحقة قبل أن يقول:
    - لقاؤنا في الجنة إن شاء الله..
    و مضى خارجا..
    بذلت أسماء قصارى جهدها لتظهر تجلدها للصعاب.. فكفكفت دموعها والتفتت إلى علاء:
    - هيا يابني حان وقت الرحيل..

    ***


    مضى أسبوع على ابتعاد جموع الراحلين عن مدينتهم, وتخبطهم في صحراء شاسعة بعد أن حيل بينهم وبين عبور منطقة الرمال، إحدى المناطق الإسلامية المجاورة، بحجة عدم صلاحية رقع التجوال الجلدية التي بحوزتهم..
    وهبت العاصفة، فتخبطوا على غير هدى.. ليجد علاء نفسه وحيدا شريدا، لايدري أين هو من هذا العالم الفسيح..


    فاصل

    "رقعة التجوال الجلدية"، ضرورية للتنقل بين المناطق في عالم مدرسة الفروسية، وهي تقابل جواز السفر في عالمنا الحقيقي..

    عدنا

    استيقظ علاء فجأة دون أن يدري ما حدث له خلال العاصفة، ليجد نفسه نائما على فراش وثير، فأزاح الغطاء عنه ونهض ثم وقف أمام نافذة زجاجية يتأمل بدرا منيرا وسط ليل بهيم، ملأ رئتيه من نسمة باردة تسللت من شق في تلك النافذة، واجتهد في محاولة يائسة لمعرفة مايدور حوله، فاتجه نحو باب الغرفة وفتحه ليجد نفسه أمام شيخ كبير يغط في نومه على أريكة، عفا عليها الزمان، فأدرك في لحظة ما يعجز عن فهمه الكبار، وأخذ يتأمل المكان لفهم المزيد.. حتى تقلب الشيخ على أريكته أخيرا، وكأنه شعر بما يدور حوله، ففتح عينيه وسط ارتباك علاء الذي تلعثم قائلا:
    - اعتذر عن الإزعاج أيها الجد..
    فطمأنه الشيخ بابتسامة هادئة:
    - الحمد لله على سلامتك يابني، لقد وجدتك ملقى على قارعة الطريق اثناء عودتي من خارج البلدة..
    ثم نهض مستدركا:
    - لا عليك، ستخبرني بقصتك فيما بعد، أما الآن فاعتقد أنك بحاجة إلى طعام جيد..
    و ابتسم معرفا بنفسه ليدخل جوا من الألفة إلى المكان:
    - جدك سعيد بمثابة والدك، وبما أن الفجر سيطلع بعد قليل فلا بأس من أن نتناول طعام الإفطار الآن معا..
    وبدأ بإعداد مائدة حاول تنسيقها بعناية، وهو يعرّف بأصنافها المختلفة بحركات تمثيلية يدخل بها البهجة على قلب ضيفه الصغير:
    - جبنة جدك سعيد الشهية، يشتهي الجميع تذوقها وهي كلها لك.. وهذه الزبدة البيضاء الطازجة لن تجد أطيب منها في المنطقة بأسرها..
    قالها وهو يضحك بمرح:
    - هذا رأيي الخاص بالطبع..
    ونهض باتجاه كيس من القماش، معلق فوق طبق حوى كمية من الماء المكدر، تناوله وفتحه ليسكب ما فيه بطبق أمامه قائلا:
    - وهاهي اللبنة الطازجة قد أصبحت جاهزة، من أجل...
    ثم انتبه فجأة، وابتسم ملتفتا الى علاء:
    - عفوا لم اسألك عن اسمك بعد يا بني؟
    وبعد أن أخبره علاء باسمه الأول، تابع سعيد استعراضه مبتهجا:
    - لبنة طازجة جُهّزَت خصيصا ليفتتحها علاء..
    ثم قال بتمعن:
    - عـــلاء..اسم جميل جدا وعظيم أيضا، ومن يحمله لا شك أنه سيصبح عظيما باذن الله..
    وغمز علاء بعينه مشجعا:
    - أليس كذلك يا علاء؟
    أومأ علاء بابتسامة مقتضبة دون أن ينبس ببنت شفة. وأخيرا وضع سعيد على المائدة كوبين صب فيهما اللبن الطازج، قائلا:
    - وهذا خير الطعام كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم فاللهم بارك لنا فيه وزدنا منه..
    وجفف يديه بمنديل وهو يشير إلى علاء:
    - تفضل إلى سفرة جدك سعيد الغنية ولا تضيع الفرصة..
    وأخيرا تكلم علاء الذي كان يتابعه بابتسامة صامته:
    - جزاك الله خيرا يا عمي..
    وتناول كوب اللبن من يد سعيد - رغم عدم رغبته في تناول أي شيء لولا شعوره بالحرج من هذا الشيخ الطيب - ليبدآ الطعام معا بالدعاء:
    - بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار..
    تنهد الشيخ تنهيدة طويلة بعد أن استمع لقصة علاء:
    - هكذا إذن.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
    ثم زفر بأسى:
    - هذه هي حال المسلمين اليوم؛ لايعتبرون بما أصابهم وكأن الأمر لايعنيهم..
    ثم صمت قليلا تعتصره مرارة الألم، قبل أن يتابع:
    - ليست مدينتك المقصودة وحدها يا بني.. انها البداية فقط!!
    ثم نظر إلى علاء الذي يتابعه بصمت وشرود:
    - أتعرف قصة ذلك المثل.. ألا إني أكلت يوم أكل الثور الابيض؟
    أومأ علاء رأسه بالإيجاب:
    - سمعتها من والدي..
    ومالبثت أن تدحرجت دمعة على خده، لكنه استطاع إخفاءها بسرعة متسائلا:
    - أتعلم يا جدي أين يمكنني أن أجد أمي وأخي؟
    حاول سعيد أن يبث روح الأمل في نفس علاء مشجعا:
    - سنرى اليوم إن شاء الله ما الذي بإمكاننا فعله..
    ثم أطرق مفكرا قبل أن يقول:
    - من عادتي أن أخرج مع القطيع بعد صلاة الفجر، لذا دعنا نرى أهل المسجد أولا؛ فقد يكون لدى أحدهم خبر ما..
    عندها تهلل وجه علاء بشرا بعد أن أشرق بريق أمل في نفسه، فهتف مستبشرا:
    - لا أعرف كيف أشكرك يا جدي، جزاك الله خيرا..
    فابتسم سعيد وقد سره رؤية علاء مبتهجا:
    - لم أفعل شيئا حتى الآن، ولندع الله أن يوفقنا في ذلك..
    انتبه علاء للمرة الأولى إلى ثغاء الخراف خارج المنزل، وقدر أنهم في حظيرة قريبة جدا من نافذة الغرفة التي يجلس فيها مع الجد سعيد، إضافة إلى أصوات الديكة التي تعالت بالصياح، وما لبث أن صدح صوت أذان الفجر ليغمر النفوس بالسكينة والأمان، والذي بدا أنه انطلق من مكان بعيد ما كان لِيُسمَع منه لولا سكون الليل..
    و بعد صلاة الفجر؛ تحلق المصلون حول سعيد الذي عرفهم بعلاء لعله يجد بينهم من يساعده. بدا من الواضح جدا أنهم يعرفون بعضهم جيدا، فعددهم قليل بالكاد يتم الصف الأول، ومن النادر أن ينضم إليهم زائر جديد، وبعد أن استمعوا لقصة علاء، قال مصطفى– أحد الرجال الذين يثق بهم سعيد كثيرا:
    - لقد علمت أن جاري قد استقبل قريبا له بالأمس من الراحلين من منطقة المروج الخضراء..
    خفق قلب علاء بشدة متلهفا لسماع الخبر، وتهلل وجه سعيد :
    - بشرك الله بالخير يا رجل، هات ما لديك..
    فقال مصطفى مهدئا:
    - لست متأكدا تماما من كونه من المجموعة نفسها، التي خرج معها علاء، فأمهلني حتى صلاة العشاء..
    لكن سعيد قاطعه بسرعة:
    - ألا يمكنك أن تأخذنا إليه الآن..
    ألجمت الدهشة مصطفى وبدا عليه الإحراج، لكن سعيد ألح عليه مدركا سبب تردده:
    - أعلم أن جارك لن يستيقظ قبل موعد عمله، هدانا الله وإياه، لكنه رجل طيب وهذه حالة طارئة، فهذا الفتى يريد الاطمئنان على أمه..
    بدا الإحراج والتردد واضحا على وجه مصطفى أكثر، وأدرك علاء ذلك، فهز الجد سعيد من كمه:
    - لا بأس يا جدي، سننتظر حتى صلاة العشاء إن شاء الله..

    قضى علاء وقتا طويلا بصحبة الجد سعيد أثناء خروجه لرعي الأغنام، فكانت تجربة جديدة في حياته لم يخطر بباله أن يخوضها يوما؛ بعد أن نشأ في جو المدينة واعتاد حياتها.. ساروا مسافة طويلة مبتعدين عن البلدة الصغيرة، حتى تجاوزوا لافتة صغيرة على مشارفها، كتب عليها ( بلدة زهر الرمال تستودعكم السلامة)، ابتسم سعيد- وهو يتابع اهتمام علاء باللوحة:
    - زهر الرمال، اسم بلدتنا.. يبدو جميلا أليس كذلك؟
    اومأ علاء:
    - بلى، ولكنه غريب بعض الشيء، فهل ينمو الزهر وسط الرمال؟
    ضحك سعيد لهذه الملاحظة الطريفة، قبل أن يجيب:
    - ولماذا فسرتها على هذا النحو يا علاء؟
    اجاب علاء مستغربا:
    - وهل لها تفسير آخر؟
    فقال سعيد ينتهز الفرصة موضحا:
    - بل لها عدة تفاسير أخرى قد لا أعرفها جميعا..
    ونظر إلى علاء- الذي بدت علامات الدهشة واضحة على وجهه - يستطلع اثر كلماته عليه، قبل أن يتابع:
    - هذه مشكلتنا مع الأسف، نحمل كل ما نراه أو نسمعه على المعنى الذي نراه نحن فقط، في حين أن لكل واحد منا رؤيته الخاصة والتي تحددها عوامل مختلفة بناء على شخصيته، وقد يصف اثنان المشهد نفسه بكلمات تبدو متناقضة للسامع للوهلة الأولى، فيبدأ الخلاف المؤدي للشجار والتنافر، ولو عقلنا الحقيقة لسلمنا من مشاكل كثيرة نحن في غنى عنها..
    كان علاء يحاول جاهدا استيعاب كلمات الجد سعيد التي بدت غريبة له بعض الشيء، ولم يتركه سعيد لأفكاره كثيرا، فقد أتبع كلامه بمثال توضيحي:
    - يقال أن اسم بلدتنا جاء لأنها تتميز بكثرة الأزهار فيها ولكونها تقع على مقربة من منطقة الرمال، فقد أطلق عليها زهر الرمال، وهناك من يقول بأن أزهارها كانت تتميز فيما مضى باللون الأصفر الباهت؛ حتى يظن من يراها لأول وهلة أنها أرض رمال، فأطلقوا عليها هذا الاسم، وهناك روايات أخرى وكلها تحتمل الصواب، بل لا مانع من أن تكون كلها صحيحة في الوقت نفسه!
    ثم التفت إلى علاء مبتسما:
    - ومن يدري فربما كان بها نوع من الزهر ينمو وسط الرمال..
    ابتسم علاء وقد فهم المغزى من ذلك، وأدرك بأنه تعلم درسا مفيدا وهاما جدا كان يجهله، بل ومسليا أيضا، فلم يشعر بطول المسافة التي قطعها خاصة وهو يتأمل جمال الطبيعة من حوله..
    كانت الشمس تعلن استعدادها للمغيب، وهي أشبه ما تكون ببرتقالة عملاقة تربعت وحدها فوق التلال الصفراء، عندما أطلق سعيد إشارة العودة بلحنه الخاص والمميز، فعلا صوت نباح الكلب يعينه على أداء مهمته وهو يقفز من جهة إلى أخرى يطمئن على سلامة القطيع واكتمال عدده، والذي بدا كقطن أبيض منفوش يحاول الهرب من حاصده، في حين تناغم نباح الكلب وثغاء الأغنام مع صوت الأجراس المعلقة في رقاب الخراف الصغيرة، لتؤلف معزوفة خاصة بدت مألوفة لكل الرعاة.. ورغم ذلك الجمال الخلاب إلا أن القلق بدأ يساور علاء؛ فهو على موعد مع أخبار تهمه كثيرا هذه الليلة، ولم يفت سعيد ملاحظة ذلك إذ كان هو الآخر قلق البال بشأنه، ولكن هذا لم يمنعه من الإشارة إلى بديع صنع الله في خلقه، فهتف مسبحا:
    - سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وبحمده ولا قوة إلا بالله..
    وردد بصوته الندي:
    (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءاناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى)
    ثم نظر إلى علاء مشجعا:
    - اصبر.. فلم يبق إلا القليل ويأتيك الخبر اليقين بإذن الله..
    فشكره علاء ممتنا:
    - لا أدري كيف أشكرك يا جدي، جزاك الله خيرا على اهتمامك هذا..
    - لا تقل هذا يا بني، الم أخبرك بأنني في مقام والدك.. لقد كان ابني الأكبر في مثل سنك عندما تعرض لحادث أودى بحياته..
    توقف علاء لحظة قبل أن يتابع المسير وقد بدا التأثر على وجهه سريعا، لولا أن سعيد تابع بمرح:
    - الحمد لله دائما، فهو إن أخذ فقد أعطى ، فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى..
    ثم التفت إلى علاء الذي ما زال متأثرا بما سمع:
    - هذه حال الدنيا يا بني، وهذه حقيقتها، دار ابتلاء واختبار، والظفر فيها لمن صبر وأحسن العمل..
    وابتسم متابعا وكأنه بصدد قصة سمعها ليرويها:
    - لقد مضى على ذلك أكثر من خمسين سنة، وقد أكرمني الله بعدها بالبنين والبنات، ورغم تفرقهم بالمناطق والمدن المختلفة، إلا انني بحمد الله أفرح بزيارتهم في العطل والأعياد..
    ثم توقف مشيرا بيده الى مكان بعيد:
    - أترى ذلك السور يا بني، خلفه يقبع قبر زوجتي التي توفاها الله قبل خمس سنوات..
    ودمعت عيناه قليلا:
    - رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، ما زلت أذكرها بالدعاء في كل صلاة أصليها، فقد كانت نعم الزوجة الصالحة والأم المربية الحكيمة، اسمها راضية وكانت تمثله بمعنى الكلمة..
    وابتسم بمرح وهو يردد:
    - راضية وسعيد.. الرضا يجلب السعادة، وهذا سر العلاقة الوطيدة بيننا بفضل الله..
    وقفزت إلى عينيه نظرات حالمة يرى من خلالها صورا مشرقة من حياته السعيدة مع راضية، ثم تنهد:
    - رحمها الله.. هذه هي الدنيا وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور..
    كان سعيد يحدث علاء إشغالا لفكره عن الهموم و تبصيرا له بحال الدنيا، وتعزيزا لمفهوم الرضا في نفسه؛ حتى لا تصدمه نوائب الدهر، وقد كان له ما أراد بنسبة كبيرة..
    وبعد أن أديا صلاة المغرب في الطريق، واقتربا من المنزل، لاح لهما شبح رجلين يقفان عند الباب، وما لبثا أن سمعا صوت مصطفى يهرول نحوهما صائحا:
    - نحن بانتظارك منذ أكثر من ساعة، لقد أبى السيد مروان إلا المجيء بنفسه ليرى علاء..
    ولم يكد علاء يلمح مروان حتى قفز نحوه هاتفا بسعادة:
    - أهلا بك يا عمي، ما هي أخبار أمي وأخي؟
    ثم شعر بالخجل من نفسه، وقد انتبه إلى عكازه الخشبي الذي حمله مرتكزا عليه اثر كسر بدا واضحا في رجله، فاستدرك متسائلا:
    - سلامتك يا عمي، لا بأس عليك طهور إن شاء الله، ما الذي أصابك؟؟
    فابتسم سعيد وهو يقاطعه بلطف:
    - فلندخل أولا..
    وبعد أن أغلق باب الحظيرة واطمأن على حيواناته، تحلق الأربعة حول ضوء السراج في حجرة المنزل المطلة على الواجهة..
    بدا الأسف واضحا على وجه مروان؛ ليعكس خيبة أمل على قسمات علاء، لولا أنه صبر نفسه بالاستماع إلى بقية حديث مروان لعله يجد لديه ما يرشده إلى أمه. حاول مروان بث الطمأنينة في نفس علاء:
    - الحمد لله على سلامتك أولا يا بني، لقد قلقنا عليك كثيرا، ولكن الله لطف بك..
    وقلب نظره بين مصطفى وسعيد قائلا:
    - حقا، بصلاح الآباء يحفظ الله الأبناء، من يعرف والديّ هذا الفتى لا يعجب من حفظ الله له!
    كان لجملته هذه أكبر الأثر في تطيب نفس علاء، ثم تنهد قبل أن يتابع:
    - بعد أن منعنا من عبور منطقة الرمال، وبعد أن هدأت العاصفة التي فرقت الكثيرين منا، وأصابت معظمنا بضرر..
    قالها مستطردا وهو يشير إلى ساقه:
    - الحمد لله إصابتي خفيفة نسبة إلى غيري..
    ثم تابع:
    - كانت هناك فرصة لتسهيل استحداث رقع عبور خاصة، لمن لهم أقرباء خارج المروج الخضراء، ريثما يعاد النظر في رقع التجوال الجلدية خاصتنا، وقد كنتُ منهم إذ نزلنا في ضيافة أقرباء زوجتي، في حين قرر معظم الراحلين العودة من حيث أتوا، وليكن ما يكون بدلا من التخبط بين المناطق المختلفة على غير هدى، معرضين أنفسهم للعواصف والأخطار، خاصة وأنهم لا أقرباء لهم..
    وصمت قليلا قبل أن يقول:
    - وقد أصرت امك على العودة معهم..
    شعر علاء ببعض الاطمئنان بعد أن سمع خبرا عن أمه، ثم قال بقوة وعزم:
    - سألحق بهم إذن، وأعود من حيث أتيت..
    تبادل مروان نظرات ذات مغزى مع مصطفى وسعيد، قبل أن يقول الأخير:
    - أنت فتى شجاع يا علاء، ولكن شتان ما بين التهور والشجاعة، لقد أحكم الأعداء سيطرتهم على حدود المروج الخضراء، ولم يعد بالامكان العودة الآن!
    لم يتمالك علاء نفسه وقد أدرك ما ترمي إليه هذه الكلمات، فقاطعه وهو ينهض من مكانه صارخا:
    - وماذا عن أمي وأخي!! ما الذي تعنيه يا جدي!! هل سأقضي حياتي وحيدا بعيدا عن أمي وأبي وبلدي؟!!

    ***
    ما الذي سيحل بعلاء بعد ذلك؟ وهل سيتمكن من مقابلة أمه واخيه؟
    وكيف سيتصرف الجد سعيد في هذه الحالة؟

    هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  4. #4
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ما شاء الله بداية موفقة لك و لهذا البطل شجاع ^^

    ياريت لو تحكي لنا عن بطولاته و مغامرات شيقة التي مر بها ♥

    بانتظارك أرجو أن تكملي تنزيل حلقات ف نفس الموضوع دمت بخير ^^



    جزاك الله خيرا لكلماتك الطيبة والمشجعة، بالفعل كنت أنوي تنزيل جميع الحلقات في هذه الموضوع بإذن الله، وقد تم إنزال الحلقة الثانية بالفعل ^^

    (ارجو أن لا تتأخر الموافقة عليها.. وسأحاول في الوقت الحالي مبدئيا إنزال حلقة كل يوم تقريبا إن شاء الله)

    دعواتكم

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  5. #5
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    اعلان صدور الحلقة الخاصة من مدرسة الفروسية على كوكب زمردة (:


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    يسعدنا إعلامكم بأنه قد تم اصدار الحلقة الصفرية من "مدرسة الفروسية"، وهي
    حلقة خاصة تسلط الضوء على البطلة "أسماء عبد القادر- والدة علاء"
    على كوكب زمردة، بعنوان:


    ( الحلـــــــــــــــــم)


    فتابعونا..

    رابط الحلقة الخاصة:
    http://forum.spacetoon.com/showthrea...1%D8%A7%D8%AA)


    ولا تنسونا من صالح دعائكم (:
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  6. #6
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    السلام عليكم جميل حقا بدأت أحداث القصة تحلو أكثر تابعي ^^

    سآتي وأرى قصة بطلة ومن تكون جزاء الله خيراً على قصة راءعة ♥


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


  7. #7
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة الثالثة: ذكريات علاء ج2 / القرار

    الحلقة الثالثة: ذكريات علاء ج2 / القرار



    - وماذا عن أمي وأخي!! ما الذي تعنيه يا جدي!! هل سأقضي حياتي وحيدا بعيدا عن أمي وأبي وبلدي؟!!
    خرجت تلك الكلمات من علاء بانفعال شديد، رداً على كلام الجد سعيد، لتعبر عن مدى ألمه ويأسه..

    وهكذا.. حاول سعيد تهدئة علاء، فنهض ليقف إلى جانبه يربت على كتفه مواسياً:

    - ومن قال أنك وحيد يا بني؟
    استدرك علاء نفسه، وقد تهالكت قواه، فأسرع يعتذر:
    - اعذرني يا جدي لم أقصد هذا، ولكن..
    وتحشرجت الكلمات في حلقه، فصمت وفاضت عيناه بالدموع..
    مضى أسبوع كامل جف خلاله منبع الدمع في عيني علاء، رغم حرصه على التجلد، غير أن هذا كان فوق طاقته، وهذا ما عذره به سعيد الذي لم يكل عزمه في تقديم أي عون لعلاء، يساعده على الخروج من أزمته، واتخاذ قرار حازم بشأنه، خاصة وقد بدا من الواضح أن الوصول إلى أمه أو عودته إلى بلده ضرب من الخيال. حتى جاء الوقت الذي ارتأى سعيد فيه أن لحظة المواجهة قد حانت، فصلى ركعتين استخار الله فيهما، ثم جلس في مواجهة علاء بعد صلاة العشاء، بشكل يوحي بأهمية ما هو مقدم للحديث عنه. بدأ سعيد كلامه بابتسامة مقتضبة جادة:
    - أنت فتى قوي وشجاع يا علاء، وذكي أيضا- ما شاء الله- فقد استطعت تعلم أشياء كثيرة في فترة وجيزة، وهذا من فضل الله عليك.. اسمعني يا بني..
    ثم صمت قليلا يحاول انتقاء الألفاظ بعناية لعرض كلامه، ورغم إحساس علاء بخطورة ما سيسمعه إلا أنه بدا صامتا كأهدأ ما يكون، فلم ينبس ببنت شفة، وفسح المجال لسعيد ليقول ما لديه بحرية، إذ لم يعد أمامه خيار آخر عن مواجهة الحقيقة ولو كانت مرة. وأخيرا قال سعيد بحزم:
    - لن تستطيع العودة إلى وطنك يا علاء إلا بأحد خيارين..
    وتحفز علاء بكل جوارحه، في حين جاءه صوت سعيد مجلجلا واضحا لا مراء فيه:
    - إما أن تكون لقمة سائغة يلوكها الأعداء بأنيابهم، قبل أن يلفظوها ليزيدوا عدد ضحايانا الذين نبكيهم دون جدوى..
    وصمت يلتقط نفسا عميقا وهو يحدق بعيني علاء بنظرات صقر كاسر يشحذ عزيمته، ويستحث الهمم في نفسه، قبل أن يتابع كلامه بقوة لم يعهدها علاء فيه من قبل:
    - أو قائدا فاتحا قويا صالحا، يعيد المجد والعزة لأمته..
    وكانت جملته تلك آخر شئ توقع أن يسمعه علاء، فاقشعر بدنه، وهو يشعر بقوة الكلمات وصلابتها التي هزت كل جزء في جسده، حتى هُيئ إليه أنها من قوتها قادرة على زحزحة جبل راسخ من مكانه ودب روح الحماسة فيه.
    لم يغمض لعلاء جفن تلك الليلة، وقد شعر أنها ليلة الفصل في حياته، والتي سيتخذ فيها قراره الحاسم. نهض بهدوء بعد أن تأكد من نوم الجد سعيد.. توضأ واستقبل القبلة وكأنه سيصلي للمرة الأخيرة، وكلمات والده ترن في اذنيه، وتلامس شغاف قلبه ( وجعلت قرة عيني بالصلاة)، تؤازرها ما كان يسمعه من أمه مرارا وهي تحدث من يشكو لها همه، بل إنها كانت بحد ذاتها مثالا يجسد ما روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم ( اذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة)، وأخذت تلك المشاهد تتراءى أمام عينيه، فبدأت نفسه تؤنبه:
    - ما بالك ياعلاء تنسى تلك الوصية الثمينة.. كيف سأواجه والدي بعد هذا العار.. وما الذي ستقوله أمي عني.. أهكذا يبكي الرجال !! وسجد جبين علاء، وسجدت كل جوارحه ، تعلن استسلامها وخضوعها لله وحده..

    ***

    أشرقت شمس صباح اليوم التالي بالبشر والسعادة على سعيد وعلاء، وقد عادت الابتسامة المتفائلة تزين وجهه، حتى أنه شارك سعيد ببعض أهازيجه التي كان يشدو بها وهو يقود القطيع..

    أشرقت الأنوار صباحـــا حيّت سهــلا مع جبــلا

    طوبى لمن قد حصد فلاحا زرع فجــد ومــا كســلا

    ورعى الأغنـام بلا تعـب يحسن دومــا مــا عمــلا

    علت شمس الظهيرة، واستظل علاء مع الجد سعيد بظل شجرة، يتناولان غداءهما، حتى سمعا صوت نباح الكلب يعلو عن المعتاد، فالتفت سعيد اليه، ثم ابتسم وهو يشير إلى علاء كي ينظر هو الآخر:
    - أترى يا علاء تلك الشاة الصغيرة.. انها تحاول تجاوز الحدود المسموحة لها ضمن القطيع في الرعي، وهي تظن نفسها قادرة على خوض المخاطر وحدها..
    علت حمرة خفيفة وجه علاء وقد شعر بالخجل من نفسه، بعد أن فهم ما يرمي اليه الجد سعيد، والذي تابع قائلا بعد أن تأكد من وصول المعنى:
    - هذا ما قصده الحبيب صلى الله عليه وسلم، عندما قال: ( انما يأكل الذئب من الغنم القاصية)..
    كان علاء ينظر إلى سعيد بعين التقدير والإعجاب، فرغم أنه يبدو راعيا بسيطا للوهلة الأولى، إلا أنه كان آية في الحكمة والذكاء، فقال معبرا عن اعجابه:
    - جزاك الله خيرا ياجدي، فقد أصبحت أرى عالم الرعي، عالما للحكمة بحد ذاتها، وتعلمت كيف أربط كل ما أراه بحكمة استفيد منها..
    ضحك سعيد ملء شدقيه، قائلا:
    - ليست الحكمة مقصورة على عالم الرعي وحده يا علاء، بل هي في كل ما تقع عليه عيناك، او تسمع به أذناك، او تلمسه يداك، كلها رسائل ربانية يبعثها الله في طريقك لتتعلم وتستفيد منها، بتقدير منه وليس بمحض المصادفة والعاقل من يفهمها، ( ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا)..
    وأخيرا قال سعيد وهو ينظر إلى البعيد، كأنما يخترق المستقبل بنظراته الثاقبة:
    - لقد اكتسبت خبرة لا بأس بها في رعي الأغنام، طريقك الأول الذي هُيئ لك لتصبح قائدا حكيما ، حازما ورحيما..
    ثم ابتسم وهو يرى علامات التعجب على وجه علاء:
    - كل ميسر لما خلق له، وقد سخر الله لك خوض غمار مهنة عمل بها الأنبياء جميعا،، أتعلم ما هي؟
    ورغم حضور الجواب في ذهن علاء ومعرفته به، لكنه ظن أن لدى الجد سعيد إجابة أخرى فلم يتوقع أن تكون بهذا الوضوح، حتى فهم المراد أخيرا، فابتسم مجيبا:
    - ( ما من نبي إلا ورعى الغنم)، تلك المهنة التي اختارها الله ليمارسها من اصطفاهم من عباده، لما تكسب صاحبها من مهارات القيادة الحكيمة، مع الرحمة والحزم..
    أشرق وجه سعيد بابتسامه مستبشرة، ونهض من مكانه وهو يقول:
    - بارك الله فيك يا بني، ارى انك قد تجاوزت المرحلة الاولى بنجاح، وقد آن اوان المرحلة التالية..
    قالها بكثير من الغموض، حتى أن علاء أخفق تماما في فهم ما يرمي إليه هذه المرة، وهو يحدث نفسه:
    - عن أي مراحل يتحدث؟؟ هل أنا متدرب عنده!!
    بدا سعيد على غير عادته جادا جدا وهو عائد من صلاة العشاء بصحبة علاء، وفي فناء المنزل، حيث أرسل القمر خيوطه الفضية لينسج أروع صورة لهذا الليل البهيم، جذب سعيد مقعدا ليجلس عليه وأشار إلى علاء أن يجلس قربه على مقعد مجاور، وبعد أن استقر بهم المكان، قال سعيد:
    - لقد انتشر خبر مفرح في الآونة الأخيرة عن مدرسة تربي الفتيان على الفروسية الإسلامية، يقوم عليها أناس صالحون..
    لم يكد سعيد يتم جملته حتى هتف علاء بحماسة:
    - إذن سأذهب فورا إلى هذه المدرسة..
    قاطعه الشيخ:
    - ليس بهذه السهولة يابني؛ فالمدرسة ليست بهذه المنطقة!
    فسأله علاء بلهفة:
    - وأين هي إذن هل هي بعيدة من هنا؟
    فأجابه الجد سعيد:
    - تستطيع قول هذا.. فهي تقع في منطقة الجبال، وأظنها في مدينة رياح تحديدا..
    فرد علاء بحزم منقطع النظير:
    - لا بأس، سأبدأ بالتحضير للرحلة من الآن إن شاء الله..
    فتنهد سعيد:
    - لا تنس أنك لا تمتلك (رقعة تجوال جلدية) خاصة بك، لعبور حدود المناطق المختلفة حتى تصل إلى تلك المدينة!!
    بدا للحظات أن بريق الأمل قد خبا وهجه.. لكن سعيد أسرع يزيح ذلك العبء الثقيل، بابتسامة مشجعة:
    - لا تقلق يابني ثق بالله وتوكل عليه، وها أنا ما زلت أبذل قصارى جهدي لإنهاء الإجراءات اللازمة لاستخراج رقعة تجوال لك، فقد أصبحت أمرا ضروريا في هذه الأيام وقد لا يُعترف بك شخصيا من دونها!
    ولم يكن علاء بحاجة لمن يعرفه بأهمية هذه الرقع الجلدية، وقد ذاق هو وأهله المر بسببها، في حين تابع سعيد كلامه:
    - لقد قاربت على إتمام تلك الإجراءات تقريبا، ويبقى حضورك لاجراء الخطوة الأخيرة واستلام رقعة التجوال الجلدية بنفسك..
    وابتسم قائلا:
    - الصبر جميل وعواقبه محمودة بإذن الله.. وتأكد أن جدك سعيد سيكون إلى جانبك وعند حسن ظنك دوما إن شاء الله..
    لم يتمالك علاء نفسه فقفز يعانقه بحرارة:
    - جزاك الله خيرا يا جدي، هذا أروع خبر سمعته حتى الآن..
    ثم أدرك أن هذا يعني أنه على وشك فراق الجد سعيد قريبا، فشعر بحزن لم يتمكن من اخفائه..
    مضت أيام قليلة اجتهد فيها علاء أن ينهل من حكمة الجد سعيد، ويستفيد من خبرته قدر استطاعته، حتى جاء ذلك اليوم الذي اكتملت فيه الإجراءات وكانت لحظة الفراق التي عاشها علاء للمرة الثانية، ربت سعيد على كتفه مشجعا:
    - لقد بدأت المرحلة الثانية في طريقك يا بني، السفر مدرسة الحِكَم، توكل على الله وثق به ولا تعجز..
    ولم يستطع سعيد مواصلة كلامه، وهو يحاول حبس دمعة نفرت من عينيه، وبدا علاء أكثر تجلدا، فشد على يده وهو يقول مطمئنا:
    - اطمئن يا جدي، ولا تقلق علي، فسأبذل جهدي كي أكون عند حسن ظنك باذن الله، لن أنسى ما تعلمته منك، وسأرجع قائدا فاتحا قويا و صالحا باذن الله، وجزاك الله خيرا على كل ما قدمته لي..
    تهلل وجه سعيد بابتسامة عريضة، رغم حزنه لفراق علاء:
    - حفظك الله يا بني، استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..


    وهكذا.. انطلقت عربة المسافرين التي ركبها علاء، لتغادر منطقة الرمال، باتجاه منطقة السهول المجاورة لها، ليبدأ علاء رحلته الطويلة نحو مدرسة النصر للفروسية الواقعة في منطقة الجبال..

    ********

    كيف ستكون رحلة علاء إلى المدرسة؟ وما الذي سيقابله في طريقه إليها؟ وما حكاية "قلعة السلم"؟

    هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة إن شاء الله، فانتظرونا، ولا تنسوا تتبع رحلة علاء على الخريطة..






    وإلى لقاء قريب إن شاء الله (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آلأه وصحبه وسلم

  8. #8
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم جميل حقا بدأت أحداث القصة تحلو أكثر تابعي ^^

    سآتي وأرى قصة بطلة ومن تكون جزاء الله خيراً على قصة راءعة ♥


    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    شكرا لمتابعتك واهتمامك صديقتي ^^

    وشكرا لجميع المتابعين من داخل المنتدى وخارجه..

    سأقوم بنشر حلقة أخرى اليوم إن شاء الله، بالاضافة للحلقة الثالثة التي نُشِرت قبل قليل، ليكون المجموع حلقتين بإذن الله.. تعبيرا عن تقديري لمتابعتكم ^^

    فجزاكم الله خيرا، ولا تنسونا من صالح دعائكم (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  9. #9
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة الرابعة: ذكريات علاء ج3/ قلعة السلم

    الحلقة الرابعة: ذكريات علاء ج3/ قلعة السلم

    سارت العربة بجموع المسافرين، وقطعت الأميال الطويلة وعلاء شارد الذهن لايعي مايمر به من مناظر عبر الطريق، غارقا في أفكاره حتى انتبه إلى صوت يخاطبه:
    - تفضل هذه الشطيرة يابني..
    التفت علاء إلى الرجل الجالس قربه، فوجده رجلا وقورا قدّر أنه في مثل عمر والده تقريبا، ولم يخف عليه ملاحظة ذلك الشبه الخفيف بينهما. لاحظ الرجل تلك النظرات الفاحصة رغم شرودها، فابتسم وهو يقدم لعلاء شطيرة كبيرة:
    - تفضل هذه يابني..
    فبادله علاء الابتسام:
    - جزاك الله خيرا ياعمي.. لدي مايكفيني من طعام، واني لا أشعر بالجوع..
    لم يخف الرجل دهشته لهذا الجواب، فقال مستفسرا:
    - لقد مضى يوم كامل تقريبا وأنا برفقتك، وأظنك صعدت من محطة سابقة، ورغم ذلك لم أرك تأكل شيئا، فكيف لا تشعر بالجوع يا بني!!
    ثم أردف متسائلا:
    - هل هناك مايشغل بالك؟
    لم يجد علاء جوابا، فتابع شروده بصمت. وأخيرا بادره الرجل وقد شعر بشفقة غامرة نحوه، فقدم نفسه قائلا:
    - ادعى المعلم عامر، ومعظم تلامذتي في مثل سنك، فلم لا تشاركني همومك يابني؟
    تنهد علاء محاولا الابتسام:
    - وأنا ادعى علاء، تشرفت بمعرفتك يا عمي فوالدي معلم أيضا..
    حاول الرجل الحذر في حديثه، خشية إيذاء علاء، لاسيما وقد لاحظ تلك النبرة الحزينة التي علت صوته، فقال مشجعا:
    - إذن سيسعد والدك كثيرا برفقتي لك، وسيسره أن تناقشني بما يهمك، فالمعلمون عادة يشعرون ببعضهم البعض..
    أدرك علاء في تلك اللحظة سبب شعوره بذلك الشبه الخفي الذي ربط بين الرجل ووالده، فلكلاهما الهيئة نفسها، تلك الهيئة التي يمتاز بها المعلمون.. فشعر براحة كبيرة نحوه..
    لم يدع عامر علاء لأفكاره كثيرا، إذ سرعان ما انتزعه منها قائلا:
    - وما اسم والدك ؟ فربما أكون قد التقيته سابقا..
    ابتهج علاء لهذه الفكرة وهو يقول بلهفة:
    - نور الدين منصور، هل تعرفه يا عمي؟
    حاول عامر التذكر، وأخيرا قال:
    - أعتقد أنني التقيته في منطقة الأنهار، حيث عقد اجتماع للمعلمين في مدينة نهر..
    ثم هز رأسه مؤكدا:
    - أجل هذا صحيح، وأذكر وقتها أنه طرح فكرة رائعة لعلاج مشكلة واجهتنا آنذاك، ولكن للأسف لم يتسنى لي الحديث معه على انفراد رغم اعجابي الشديد به..
    وتابع مبتسما:
    - وهاهي الأيام تدور لألتقي بابنه، فالحمد لله القائل (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا)
    ورغم صعوبة السؤال؛ إلا أن عامر لم يجد بدا من طرحه، فغامر أخيرا بقوله:
    - وماهي أخباره الآن يا بني؟
    أطرق علاء بحزن قبل أن يجيب:
    - تقصد أخبار أبي نور الدين؟
    - أجل، هل هناك مايزعجك يابني؟
    فانطلق علاء بلسانه ومشاعره يروي قصته بأحزان قلبه وأشجان نفسه..
    تنهد عامر بأسى:
    - إذن أنت من أبناء مدينة شمس، التي طرقت أخبارها مسامعنا في الآونة الأخيرة! كان الله في عونك يابني..
    ثم أخرج من حقيبته صحيفة صفراء، مخاطبا علاء ليدخل جوا من الألفة بينهما:
    - ليس من عادتي شراء هذه الصحف، خاصة وانها تكتب أحيانا بخط غير جيد، فيكفيني متابعة أهم العناوين الرئيسة على جدر الأخبار كلما تسنى لي ذلك، لكن خبر مدينة شمس بالذات شدني لمتابعة تفاصيله..
    وبعد أن فتح الصحيفة على موضوع محدد، أشار إلى علاء بقراءته، فتناولها وقرأ باهتمام:
    - " ورغم اخلاء السكان للمدينة، إلا أن جنود رامان بدوا في غاية الحيطة والحذر مع قلق شديد لاشتباههم بوجود بعض الكمائن.."
    ابتسم علاء رغم الألم، ولاذ بالصمت..
    وبعد فترة قال عامر:
    - سنعبر حدود منطقة السهول بعد قليل..
    ثم نظر إلى علاء متأملا:
    - ما تزال الطريق طويلة نحو منطقة الجبال، فهلا نزلت في ضيافتي بعض الوقت؟ فليس هناك ما يحتم عليك العجلة يابني..
    أطرق علاء مفكرا وبدا عليه تردد كبير وكأنه أمام خيار صعب، فربت عامر على كتفه بهدوء:
    - لا بأس، لديك الوقت الكافي للتفكير واتخاذ قرار حاسم فأنت الآن مسؤول عن نفسك..
    لم يمض وقت طويل، حتى توقفت العربة خلف صف طويل من العربات المختلفة، والتي تحيط بها من كل جانب.
    فالتفت علاء إلى عامر متسائلا:
    - وصلنا ياعم؟
    ابتسم عامر:
    - ما تزال أمامنا طريق طويلة نحو المدينة، ولكنها الحدود التي تفصل بين المناطق المختلفة..
    ثم تابع:
    - قد نقضي معظم وقتنا هنا..
    قال كلمته الأخيرة وهو ينهض مع المسافرين استعدادا للنزول، واقفين في صف طويل وقد أنهكهم التعب والإرهاق، وبينما هم كذلك إذ طرق سمع علاء مشادة كلامية حادة؛ تبين له فيها صوت امرأة تجادل أحد المسؤولين، واحتد النقاش حتى صاح المسؤول بشدة:
    - لا أريد سماع كلمة أخرى.. لقد أخبرتك مرارا أن رقعة تجوالك الجلدية غير صالحة، ولن أسمح لك بالعبور مهما حدث..
    توسلت إليه السيدة مرة أخرى:
    - أرجوك، زوجي بانتظارنا..
    لكنه قاطعها بشراسة:
    - لا شأن لنا بزوجك ، فلا تضيعي وقتنا بتفاهاتك فأنت تحتاجين إلى شهر على الأقل حتى ننظر في أمرك..
    وعلا صوت بكاء طفل صغير التصق بها في لحظة كانت قد فقدت فيها ما تبقى لها من رباطة جأش؛ فما كان منها إلا أن صفعته تحاول اسكاته، ثم انهارت باكية وهي تضمه إليها. أما ذلك المسؤول فقد لوى رأسه لا مباليا وكأن الأمر لايعنيه، وذهب مع رفاقه لاستقبال عربة وصلت في تلك اللحظة..
    التفت علاء إلى عامر الذي تابع المشهد بصمت وكأنه اعتاده، فهزه قائلا:
    - أرجوك ياعمي ساعدها إنها مسكينة..
    فهز عامر رأسه بأسف:
    - ليس بوسعنا فعل شئ يابني، هذا قدرها وهي ليست الوحيدة هنا..
    نظر علاء إليه بوجوم، ولسان حاله يقول:
    - أيقف الرجال مكتوفي الأيدي، ويكتفون بالمشاهدة!
    ثم أطلق زفرة طويلة يحدث فيه نفسه:
    - لا أظن أن أبي كان سيرضى بمثل هذا الهوان..
    لم يستطع عامر تحمل تلك النظرات المؤنبة؛ فأشاح بوجهه بعيدا وهو يقول:
    - ماتزال هناك الكثير من الأمور التي تجهلها في هذا العالم يا بني..
    لم ينتبه علاء كثيرا لتلك الكلمات، فقد أثارت تلك العربة المزركشة اهتمامه، والتي جلبت اهتمام المسؤلين، ولم يخف عليه ملاحظة أشكال ركابها الغريبة، وقد ارتفع صوت الغناء الفاحش منها، ولم تمض لحظات حتى تابعت العربة سيرها آمنة، بعد أن أبرز سائقها رقعة خاصة، ليتابع المسافرون عبثهم بحرية دون أن ينزل مسافر واحد منها..
    لم يتمالك علاء نفسه من نظرة متسائلة ألقاها في عيني عامر:
    - ما هذه العربة يا عم؟ لا أظن أنهم من المسلمين، فأشكالهم لا توحي بذلك!!
    أومأ عامر:
    - هذا صحيح، فنادرا ما يكون بينهم مسلم، وإن كانت أصوله مسلمة فإنه في العادة لا يبقى له منها إلا الاسم فقط، إنهم المتجولون الذين يتجولون في المناطق المختلفة لرؤية مشاهدها ومناظرها، بغية المتعة والترفيه، وقد يرتكبون فيها ما يخجل السوي من ذكره..
    فتساءل علاء:
    - ولماذا لايقفون مثلنا!!
    فأجابه عامر والحسرة بادية في نبرته:
    - لا تنس أنهم من ممالك ثرية تتحكم في مصائر المناطق الأخرى، ومن مصلحتنا احسان معاملتهم واحترامهم..
    نطق الجملة الأخيرة بألم لاحد له، ثم قال:
    - من الأفضل لنا أن لا نتكلم كثيرا في مثل هذه الأمور تجنبا لمشاكل نحن في غنى عنها..
    لم ينبس علاء ببنت شفة، وهو يشعر بعار لم يشعر بمثله قط، حتى جاء دوره في الصف الطويل، وبعد أن تناول المسؤول رقعته، نظر إليها متفحصا قبل أن يسأله:
    - وجهتك الى مدينة رياح.. مسافر وحدك؟
    رد علاء بالايجاب، فتابع المسؤول بلطف لم يتوقعه علاء؛ بعد أن كوّن صورة سيئة لجميع العاملين هنا:
    - للأسف يا بني.. لن تستطيع متابعة رحلتك نحو منطقة الجبال بهذه الرقعة وحدها، فلن يسمحوا لك عبور حدودها قبل أن تلحق بها رقعة أمنية خاصة، ومن الأفضل أن تتم أمورك كلها قبل مغادرة منطقة السهول، قد تحتاج إلى شهر على الأقل، اذهب الى مركز مدينة سهل أولا.. خذها نصيحة مني..
    كتم علاء شهقة كادت تفلت منه لولا أن بذل جهده لضبط نفسه، وهو في حيرة من أمره، لكنه شكر المسؤول بأدب، وحاول أن يستفسر منه أكثر عن الموضوع غير انه بدا مشغولا جدا ولا وقت لديه للإدلاء بأي معلومات اضافية، فربت عامر على كتف علاء مواسيا:
    - لا بأس يا بني ستنزل في زيارتي، وباذن الله ييسر الله أمرك..
    سار علاء إلى جانب عامر في أحد شوارع المدينة المزدحمة، لكنه توقف فجأة وقد احمر وجهه، فرمقه عامر بنظرة متسائلة:
    - ما بالك يا بني! هل أصابك مكروه لاقدر الله؟!
    لكن علاء حار في جوابه، فاكتفى بأن أشار بإصبعه:
    - انظر هناك يا عمي!
    فإذا نساء كاشفات لسيقانهن، باديات الظهور والنحور يتمايلن ويراقصن رجالاً وشباناً في مقتبل العمر أمام أحد المحلات الممتلئة بالرواد من أمثالهم..
    فتنهد عامر تنهيدة طويلة:
    - وهل ما أصابنا إلا من جراء هذا وأمثاله، لقد انتشر الفساد يابني حتى عم جميع المدن الاسلامية، فلم تسلم مدينة واحدة منه..
    فقال علاء مستنكرا:
    - ولكن هذا كثير! أهكذا علناً على مرأى ومسمع من الجميع؟!!
    زفر عامر بأسى:
    - لم يعد هناك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. حتى أن النفس باتت تستثقل انكاره وتحسب ألف حساب لما ستلاقيه من سخرية واستهزاء، فلربما وصل الأمر إلى الإيذاء!
    وأسرع عامر بخطاه يبتعد عن المكان الذي لا يجد لنفسه حيلة فيه، وهو يقول:
    - قال رسول الله صلى الله عليه وسلممن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وهانحن يابني بالكاد نطيق أضعف الإيمان، فكثرة مشاهدتنا للمنكرات ومعايشتنا لها كادت أن تطبق على قلوبنا فلايرى المنكر منكرا ولاحول ولاقوة إلا بالله..
    تردد علاء كثيرا قبل أن يتكلم أخيرا:
    - لقد سمعت والدي يقول دائما أن علينا البدء بأنفسنا قبل القاء اللوم على الآخرين!
    ثم التقط نفسا عميقا تابع على إثره:
    - اعذرني يا عماه..
    خفق قلب عامر بشدة فقد حاول منذ البداية تجنب مثل هذه المواجهة مع هذا الصغير، الذي يفترض أن يكون قدوة له، لكنه استسلم للأمر الواقع وتلقى تلك الصفعة القوية بكلام علاء:
    - لماذا لا تبدأ أنت مثلا وتكلمهم بالكلمة الطيبة، لعل الله أن يجعل هدايتهم على يديك؟
    فقال عامر وهو يحاول جاهدا الخروج من مأزق حرج:
    - أعتقد أننا بحاجة لمضاعفة قوة ايماننا لنواجه مثل هذه المواقف!
    فتابع علاء كلامه بإصرار:
    - ولكنك لم تحاول ذلك ياعمي، أليس كذلك؟ لماذا لا تجمع رجالا صالحين أمثالك؛ فتكونون يدا واحدة يسهل عليها مواجهة الصعاب.. فالإتحاد قوة..
    زفر عامر بقوة:
    - ليس الأمر بهذه السهولة التي تظن..
    ولاذ الاثنان بالصمت وهما يتابعان المسير..
    لم يكد عامر يدلف إلى حديقة منزله، حتى تقافز حوله أبناؤه الثلاثة يعانقونه وخرجت زوجته للترحيب به، فانزوى علاء جانبا وقد أخذ لبه مارآه وعاد بذاكرته إلى مدينته التي خرج منها تائها وحيدا.. لكن عامر سرعان ما انتبه له رغم نشوته وسعادته بلقاء أسرته فقدمه إليهم وعرفه بهم مرحبا:
    - خالتك هدى بمثابة أمك..
    أومأت هدى برأسها مرحبة:
    - أهلا بك يا بني، اعتبر نفسك في منزلك..
    وما لبث أن وجد علاء نفسه في صالة فسيحة، وقد تحلق الأولاد الثلاثة حوله يستمعون لقصته..
    وما إن انتهى منها حتى قال سالم– وهو أكبرهم:
    - لا أستطيع تصديق ذلك، هل كنت وحدك طوال تلك المدة! الأمر يبدو مستحيلا!!
    ونهض باتجاه رف معلق على الجدار، تناول من فوقه لفافة مهترئة..
    علق حذيفة– وهو في مثل سن علاء:
    - أخي يحب الخرائط كثيرا، وهو يتمنى دائما القيام بمغامرة مثيرة يكتشف فيها العالم..
    فقال يمان – الأخ الأصغر وقد قدر علاء أنه في مثل عمر أخته الراحلة هناء:
    - هذا صحيح وهو يخرج مع رفاقه إلى الجبال في أطراف المدينة، وكثيرا ماتوبخه أمي لتأخره عن المنزل..
    فقال سالم بنبرة غاضبة:
    - لا تنسوا رجاءكم لي كي أصطحبكم معي..
    ثم فتح اللفافة أمامهم قائلا:
    - دعونا نرى.. ها هي منطقة المروج الخضراء..
    وأشار إلى نقطة محددة:
    - وهنا تقع مدينة شمس..
    ثم نظر متأملا قبل أن يقول:
    - لا يوجد ذكر على هذه الخارطة لزهر الرمال، يبدو أنها بلدة صغيرة جدا، وبما أنها على مقربة من حدود منطقة الرمال فأظنها تقع هنا..
    قال جملته الأخيرة وهو يشير بيده إلى الخارطة، متابعا توضيحه:
    - حسنا.. هذا هو مسار علاء؛ وفي هذه المحطة التقى بأبي القادم من منطقة السواقي، إلى أن عبرا حدود منطقة السهول ووصلا مدينتنا سهل أخيرا..
    كان الجميع يتابع سالم باهتمام، في حين صمت قليلا قبل أن يقول:
    - ستسلك هذا الطريق يا علاء وستقطع مسافة طويلة عبر منطقة السهول، قبل أن تصل حدود منطقة الجبال..
    كان من الواضح أن منطقة الجبال تحتل المساحة الأكبر من بين المناطق على الخارطة.. قال سالم وهو يشير إلى الجزء الشرقي من منطقة الجبال:
    - الحمد لله، من لطف الله أن مدينة رياح تقع على مقربة من الحدود المتاخمة لمنطقة السهول، أي أنك لن تضطر لقطع مسافة طويلة داخل منطقة الجبال حتى تصل إليها..
    ثم ابتسم وهو ينظر إلى علاء:
    - هذا جيد يكفيك المسافة التي ستقطعها عبر منطقة السهول، فمدينة سهل من مدنها البعيدة عن الحدود..
    كان علاء يتابع المسار الذي أشار إليه سالم على الخارطة باهتمام كبير، ثم قال:
    - جزاك الله خيرا، لقد أفدتني كثيرا يا سالم، تبدو ضليعا في عالم الخرائط بشكل يثير الإعجاب فعلاً، ما شاء الله..
    فابتسم سالم بحرج:
    - لا تبالغ يا علاء، فأنا لم أفعل شيئا..
    لكن حذيفة وكزه مازحا:
    - لا تدّع أنك لا تسر للمديح يا أخي..
    وضحك يمان بمرح:
    - لن تسلم من سالم هذه الليلة يا حذيفة على هذا الإحراج الذي سببته له..
    تمعر وجه سالم من إحراج أخوته له وابتسم علاء مهدئا:
    - لا بأس يا سالم، هكذا هم الصغار دائما يضعون أخوتهم في مواقف لا يحسدون عليها..
    عندها ابتسم سالم، وهو يقلب الموقف لصالحه، ويرد لهم الصاع صاعين:
    - ليس بوسعنا غير تحمل سخافاتهم..
    فقاطعه يمان:
    - هل تقصد أنني سخيف!!
    وهنا دخل عامر:
    - السلام عليكم، ما هذا الضجيج يا أولاد!! لقد وصل علاء لتوه من السفر ويجدر بكم عدم إزعاجه!
    لكن علاء ابتسم قائلا:
    - كلا يا عمي، لم انزعج أبدا، فأنا سعيد بصحبتهم، وقد زال عني عناء السفر بحمد الله..
    فابتسم عامر وقد اطمأن قلبه:
    - إنني سعيد لسماع هذا..
    ثم التفت إلى سالم:
    - أمك تدعوك لمعاونتها في تجهيز العشاء..
    أما يمان فقد ابتسم لعلاء قائلا– وقد نسي بسرعة ما كان بينه وبين سالم قبل لحظات:
    - الحمد لله أننا في عطلة، وسنقضي أوقاتا جميلة معك يا علاء..
    فابتسم علاء بدوره:
    - إن شاء الله..
    استغل حذيفة هذه الفرصة، فقال:
    - سنأخذك في جولة تعريفية لمدارسنا يا علاء إن شاء الله..
    بدت البهجة على وجه علاء- وهو يقول بفرح باد:
    - هذا رائع..
    في حين تابع حذيفة:
    - في الحقيقة أنا وسالم نعتبر المدرسة بيتنا الثاني، ونشعر بانتماء شديد لها وبحمد الله نحن الأوائل دائما..
    ثم رمق يمان بنظرة ذات مغزى، موجها حديثه لعلاء:
    - أنت مجتهد مثلنا يا علاء، أليس كذلك؟
    أومأ علاء رأسه بالإيجاب:
    - بلى والحمد لله، و قد كنت أحرص على أن أكون مثلكم الأول دائما بفضل الله..
    عندها قال حذيفة:
    - أرأيت يا يمان حتى علاء مجتهد أيضا!
    أطرق يمان رأسه خجلا، في حين أدرك علاء المغزى من هذا الحوار فقال مشجعا:
    - إنني متأكد من قدرات يمان فهو يشبه شقيقتي هناء، كانت ذكية جدا لكنها تضيع وقتها باللعب دون تنظيم..
    فسأله يمان بلهفة:
    - وأين هي الآن يا علاء؟
    لم يكد ينطق بتلك العبارة؛ حتى وخزه حذيفة في خاصرته، لكن علاء ابتسم قائلا:
    - لا بأس يا حذيفة..
    ثم تابع:
    - لقد قتلت أختي في أول هجوم للأعداء من جنود رامان على مدينتنا، كانت وقتها تلعب خارج المنزل مع صديقاتها ولم تستمع لكلام أمي..
    و حدق النظر في عيني يمان قائلا:
    - أرأيت قسوة الأعداء وشراستهم يا يمان، لذا حق علينا التصدي لهم بالعلم والعمل معا، أليس كذلك؟
    فقال يمان وقد احمر وجهه من الخجل:
    - بلى يا علاء، أعدك أن أحاول بذل جهد أكثر..

    ***

    في الصباح الباكر، بعد أن أدى علاء صلاة الفجر مع عامر وأبنائه في الجامع القريب، همس حذيفة في أذن علاء بضع كلمات؛ خرج علاء على إثرها من المسجد مسرعا بصحبة سالم وحذيفة، وهم يتسللون خفية بين المصلين، الذين قعدوا للاستغفار وقراءة القران بعد الصلاة، خشية أن يلمحهم يمان. كان سالم يجري أمامهم في حين لحقه الباقون، ونسمات الفجر الباردة تداعب وجوههم وتنعش نفوسهم، وحذيفة يخاطب علاء موضحا:
    - سالم يخشى أن تسبقنا الشمس في شروقها؛ فيفوتنا المنظر الجميل من الكوة..
    لم يفهم علاء ما الذي يقصده حذيفة بالكوة، لكنه جرى وهو يشعر بسعادة لا حدود لها. قطعوا مسافة كبيرة حتى وصلوا بناء ضخما لم يتبين علاء ملامحه جيدا في البداية، استداروا حوله ثم دلفوا من البوابة، بعد أن أشعل سالم شمعة معه ليجد علاء نفسه أمام ساحة كبيرة، تحيط بها الأروقة المسقوفة شاهقة الارتفاع من كل جانب، وقد تهدمت بعض الأجزاء من جدرانها الضخمة العملاقة، كان علاء مبهورا بما يراه، لا سيما وأن الظلال المرسومة بضوء الشمعة على الجدران؛ زادت من رهبة المكان وغموضه..
    قال حذيفة:
    - هذه قلعة السلم ثالث أكبر قلعة حربية على زمن الخليفة عبد القادر أوروج الأول..
    هتف علاء دهشة:
    - منذ أكثر من أربعمائة عام!!
    ثم أشار له سالم أن يتبعه، قائلا:
    - انتبه يا علاء، فسنعبر من هذا الممر الضيق حتى نصعد الدرج إلى الطوابق العلوية..
    سار الثلاثة بحذر، وسالم يصدر التنبيهات بين الفينة والأخرى:
    - الدرج مكسور هنا انتبهوا.. الزموا المسرب الأيمن... ابتعدوا عن الحائط الغربي..
    في حين امسك حذيفة بيد علاء محذرا:
    - قد يكون الانزلاق خطيرا أحيانا، انتبه يا علاء فالمكان مظلم..
    حتى علق علاء أخيرا:
    - الآن فهمت لماذا لم تصطحبوا يمان معكم..
    فابتسم سالم:
    - نأمل أن لا يكون غاضبا منا الآن..
    كان الصبح قد بدأ يسفر عن معالم المكان، وهو يتسلل من الشقوق والنوافذ، عندما وصلوا السطح أخيرا. وأمام فتحة في الجدار الشرقي، وقف الثلاثة يتأملون أجمل منظر للشروق لم يحلم علاء برؤية مثله قط..
    بدأت الشمس ترسل أولى خيوطها الذهبية لتلمس كل ما تقع عليه بلمستها السحرية، فتحيله من لونه الباهت القديم، إلى لون مشرق لامع، دون أن تفقده عبق التاريخ الذي يفوح من بين جنباته..
    خيم صمت مطبق إلا من التسبيح بعظمة الخالق البديع، لم يقطعه إلا جملة سالم:
    - من هنا تشرق الشمس!
    قالها بنبرة غامضة، أشعرت علاء بأن وراءها معاني عميقة لامست خلجات نفسه..
    ثم أطلق سالم لحنا مميزا، رأى علاء على إثره صقرا ضخما يحلق في السماء فوقهم حتى استقر على جدار الفتحة أمامهم ليرسم لوحة نادرة مع ضياء الشمس من خلفه وهو يحدق في عينيه بقوة، ولمعت صورة الجد سعيد في ذهن علاء فجأة وكأنه يخاطبه:
    - إنها الحكمة، خذها يا علاء بقوة واعقلها.. كن صقرا قويا، امضِ قدما، ولا يضعف من عزيمتك أن تركت مدينة شمس خلفك!
    وهتف علاء بقوة:
    - أجل، من هنا تشرق الشمس..




    **********

    ما قصة أولاد المعلم عامر؟ وما هي معاناتهم؟ وما هو العهد الذي سيقطعه علاء معهم؟

    ثم ما حكاية تلك الفتاة التي سيقابلها علاء في نزل "قصر الذهب"؟

    تابعونا.. في الحلقات القادمة إن شاء الله (:


    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  10. #10
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    مرحبا كيفك روعة مغامرات جميلة التي خاضها علاء رغم سنه ★

    شكراً لك لكن لي سؤال أهي قصة مطبوعة ف كتاب أو أنمي ^^


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


  11. #11
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة الخامسة: ذكريات علاء ج4/ نزل "قصر الذهب"

    الحلقة الخامسة: ذكريات علاء ج4/ نزل "قصر الذهب"

    هتف علاء بقوة:
    - أجل، من هنا تشرق الشمس..
    انطلقت كلماته بصرخة مدوية، تردد صداها بالآفاق، فزع لها الصقر فحلق في الهواء بعيدا، في حين تبادل سالم وحذيفة نظرات استفهام، قبل أن ينتبه علاء الى نفسه، فالتفت إليهم باسما:
    - اعذروني يا رفاق، لكنها حكمة الجد سعيد..
    وضحك الثلاثة قبل أن يقول سالم:
    - لقد شوقتنا لرؤية هذا النبع من الحكمة.. الجد سعيد..
    ثم استطرد بمرح:
    - أفزعت شهاب قبل أن أعرفك به..
    ثم قال:
    - وجدته فرخا صغيرا فاعتنيت به إلى أن أقنعني أبي بضرورة إطلاقه، وها نحن كما ترى ما زلنا أصدقاء بفضل الله..
    فقال علاء:
    - كم هذا رائع، أتعلم؛ هذه أول مرة أرى فيها صقرا عن قرب، لقد أدركت الآن تماما لماذا يضرب المثل بقوته، لن استطيع نسيان عينيه ونظراته القوية، شعرت بأنها تكفي لاختراق جدار من الصلب..
    ثم صمت متأملا وهو يردد:
    - شهاب.. يا له من اسمٍ لصقر!
    فعلق حذيفة مبتسما:
    - أخي عاشق الطبيعة، كان مغرما بمتابعة الشهب عندما وجد صقره الصغير..
    فابتسم علاء:
    - هكذا إذن!
    ولاحظ انشغال سالم بمتابعة الصقر وهو يحلق في السماء، فالتفت إليه حذيفة قائلا:
    - لا شك أنه غارق في أحلامه.. يريد الطيران عاليا مثل الصقر..
    واستطرد:
    - أتعلم يا علاء، كلما نأتي إلى هنا لا أملك نفسي من التفكير في الخلافة الإسلامية التي انهارت..
    وأطلق تنهيدة طويلة وهو يقول متحسرا:
    - من يرانا الآن وقد انقسمنا إلى سبع وستين منطقة؛ لا يصدق أبدا أننا كنا تحت خلافة واحدة ذات يوم!
    ثم سأل علاء على حين غرة:
    - تأخذون دروس ( الحوادث والأيام ) في مدارسكم في منطقة المروج الخضراء، أليس كذلك؟
    أومأ علاء إيجابا:
    - أجل ..
    فتابع حذيفة:
    - إنني أتساءل يا ترى ماذا تأخذون عن تفكك الخلافة الإسلامية الأخيرة وتفرق المناطق؟
    أعاد علاء السؤال بتأن:
    - ماذا نأخذ عن ماذا؟؟ لا أفهم قصدك يا حذيفة!
    فتدخل سالم- الذي أفاق من أحلامه:
    - إن أخي يمثل دور الباحث عن الحقيقة بعد أن اختلطت عليه الأمور، وكأنه يحذو حذو سيدنا سلمان الفارسي- رضي الله عنه- في بحثه عن الدين الحق!
    فقاطعه حذيفة:
    - لقد زدت الأمر تعقيدا يا سالم!!
    ثم تابع موجها حديثه لعلاء:
    - ماذا درستم عن الخليفة عبد السلام أوروج، وسقوط الخلافة الإسلامية في الحقبة الأخيرة تحديدا؟
    حدق علاء بعيدا- يحاول جمع أفكاره- ثم قال :
    - درسنا هذا في المرحلة السابقة، لذا أعتقد أنني مازلت أذكر جيدا ما أخذناه..
    ثم التقط نفسا قبل أن يقول:
    - نعم لقد كان الخليفة مصابا بعقله، ويعتقد أنه هو من أنهى حياته بنفسه، فاستولى وزرائه على الحكم ومعظمهم من المفسدين، مما شجع الغزاة الكافرين دخول بعض المناطق الإسلامية، فعاثوا فيها فسادا لذا كان لابد من التصدي لهم وإصلاح الفساد، وبفضل جهود الأناس الصالحين تحررنا من سيطرة الخلافة الفاسدة..
    ابتسم حذيفة وهو يشدد على جملة الأناس الصالحين، ثم قال:
    - وبالتأكيد فإن الأناس الصالحين هم أسلاف حاكم منطقتكم، أليس كذلك؟
    ورغم لهجة حذيفة الساخرة إلا أن علاء أجاب بجدية كبيرة:
    - هذا صحيح، درستم هذا أيضا؟
    لم يتمالك سالم وحذيفة نفسيهما من الضحك، لكن سالم أسرع يعتذر:
    - أعذرنا يا علاء فنحن لم نقصد السخرية منك على الإطلاق، كل ما في الأمر أنك لم تدرس إلا في منطقتك، ولو كنت تعرف ما نعرف لشعرت بما نشعر به الآن..
    لكن ملامح الحيرة تضاعفت على وجه علاء، وهو يقول:
    - مازلت لا أفهم ما ترمون إليه!! -
    تلاشت علامات المزاح عن وجه حذيفة، وهو يقول جادا:
    - سأوضح لك أكثر.. فنحن هنا مثلا في منطقة السهول، درسنا في (الحوادث والأيام) أن إصلاح الفساد انطلق من منطقتنا وقد قام (أناس صالحون)- وهم بالطبع أسلاف حاكم منطقتنا- بمحاربة الخليفة الظالم المفسد الذي لا يحكم بالعدل فخرجوا عليه وانفصلوا عنه، ثم أقاموا العدل وأصلحوا الفساد في هذه المنطقة التي أصبحت تحت حكمهم، فيما قام أقرباء الخليفة بقتله انتقاما منه..
    ثم التقط نفسا قبل أن يتابع:
    - وعندما كنا في منطقة السواقي قال لنا المدرس، أن منطقة السواقي كانت أول من حاول التصدي لغزو الكفار الذين حاولوا تمزيق الخلافة الإسلامية، لكن الخليفة الخائن منعهم من ذلك فقام (أناس صالحون)..
    عندها تدخل علاء وقال باسما:
    - وبالطبع هم أسلاف حاكم منطقة السواقي..
    ضحك الجميع وقال سالم:
    - أحسنت يا علاء، لقد بدأت تفهم اللعبة..
    ثم التفت علاء إلى حذيفة، يحثه على اكمال الحديث، فتابع:
    - أظنك تعرف الباقي.. ولكن ما أريد إضافته هو ما أخبرنا به مدرس الحوادث والأيام هنا في منطقة السهول عن كون منطقة السواقي بؤرة فساد، ولم تتورع عن التعاون مع الأعداء!
    ثم زفر قائلا:
    - كل منطقة تمجد دورها في الإصلاح، ولا تتورع عن إلقاء اللوم على المناطق الأخرى في تمزق الخلافة.. وهكذا.. تستمر الحكاية!
    تنهد علاء:
    - انا لله وانا اليه راجعون..
    فقال سالم:
    - من لطف الله بنا أن المكان خال في هذا الوقت المبكر من الصباح، ولا أحد هنا، وأرجو أن لا يكون قد سمعنا أحد وإلا لكنا في مكان آخر!!
    وخيم صمت قطعه علاء مستدركا:
    - لقد قلت يا حذيفة أنكم تنقلتم بين أكثر من منطقة، فلماذا تتنقلون أليس في ذلك مشقة عليكم؟
    فتنهد سالم:
    - وهل تظن أن هذا بمحض إرادتنا! إننا مضطرون لذلك، ولا تسل عما يسببه هذا من تعب وإرهاق لنا وخاصة أمي التي لم تعد تحتمل كثرة السفر والترحال، فأصبحت تتحمل المسؤولية وحدها في غياب والدي، لذا تراها عصبية أحيانا..
    ثم تنهد بأسى:
    - وهل تظن أن فراق أصدقائنا سهل علينا ومن ثم بدء علاقات جديدة؟؟
    أطلق علاء زفرة حادة بثها آلامه وهمومه:
    - بل أعرف ذلك جيدا يا صديقي..
    انتبه سالم لنفسه:
    - عذرا لم أقصد إزعاجك مطلقا، وبالتأكيد نحن لم نلق ما لاقيته.. إنها حال الدنيا لقاء وفراق، ولكل منا همومه وأحزانه..
    عندها قال حذيفة:
    - إن أشد ما تلاقيه رغم ذلك كله، هو حسد بعض الأقربين لك وكأنهم يستكثرون نعمة الله عليك، فبالرغم من ابتعادنا عن أبي الذي يزورنا في الأعياد تجد الناس...
    فقاطعة سالم:
    - لا تكثر الحديث في مثل هذه المواضيع يا حذيفة، انهم قلة قليلة فأحسن الظن بهم، ولا تطلق الأمر وكأن الجميع هكذا!! سامحنا وسامحهم الله، فيكفينا ما نلاقيه من أعدائنا بالخارج!!
    زفر حذيفة بضيق:
    - هذا صحيح.. ولكنهم ..
    وبتر عبارته بأسف، فتدخل علاء ليدور بمحور الحديث:
    - ولكنني ما زلت لا أفهم لماذا لا تسكنون مع والدكم في المدينة نفسها؟
    فأجاب سالم:
    - هذا ما كنا نأمله منذ البداية ولكن قدر الله وما شاء فعل، فقد استطاع أبي مؤخرا التدريس في مدارس منطقة السواقي، بعد أن تم الإستغناء عنه في منطقة البحيرات حيث كنا نقيم معه؛ بحجة إعطاء فرصة لأبناء المنطقة نفسها، ورغم محاولتنا الجاهدة اللحاق بأبي في منطقة السواقي، إلا أننا منعنا من دخول مدارسها بصفتنا (غرباء).. وها نحن كما ترى نقيم هنا في مديتنا بينما يعمل أبي في منطقة أخرى..
    تنهد علاء:
    - كان الله في عونكم.. حقا لكل منا همومه وآلامه..
    ثم استدرك متسائلا:
    - ماذا تعني بغرباء يا حذيفة؟
    فقال حذيفة بتهكم:
    - إنهم يطلقون هذا الاسم في منطقة السواقي على كل من لا ينتمي إليها، وإن كانوا من المسلمين أمثالهم حتى ممن نشأ وأقام فيها سنوات طويلة، فلا يحق لهم المطالبة بحقوق الفرد الاعتيادية، مع إبخاسهم الكثير من حقوقهم الأخرى..
    علق علاء والأسى باد على وجهه:
    - إنني أراها بالضبط تدخل في باب العصبية، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم (دعوها فإنها منتنة )!
    عندها تدخل سالم بنبرة ساخرة:
    - طبعا هذا الكلام لا ينطبق على المتجولين من غير المسلمين، أو من يشرفنا زيارته من الممالك الكافرة، إذ أن حقوقهم أكثر حتى من أبناء المنطقة نفسها..
    فشهق علاء، وقد تبادرت إلى ذهنه صورة تلك العربة المزركشة التي قابلها على الحدود:
    - إن الأمر أسوأ مما توقعت بكثير.. ثم تابع وبدا مترددا قبل أن يسأل:
    - وما الذي يدفع والدكم للعمل هناك؟
    أطرق حذيفة في حين أجاب سالم متنهدا:
    - إنها الضرورة يا علاء، فأعباء الحياة كثيرة، ومنطقتنا لا يتوفر بها العمل المناسب لأبي، والذي يغطي احتياجاتنا، والحمد لله أرض الله واسعة، ولا ننكر أن وضعنا تحسن كثيرا بعد انتقال أبي للعمل في منطقة السواقي بفضل الله، ولكنها حال الدنيا، إذا كمل فيها جانب؛ نقص الآخر وهكذا..
    ثم هتف كمن تذكر شيئا:
    - ما رأيكم أن نتعاهد على إصلاح ما فسد من حال أمتنا، فنجمع كلمتهم على الحق، ونوحد صفهم ونرفع رايتهم؟
    وفي تلك الأثناء، التفت الثلاثة إلى الخلف حيث طرق سمعهم صوت يمان الغاضب:
    - هكذا إذن تخرجون من دوني!! لقد حزرت أنكم هنا ولن أسامحكم على هذا أبدا..
    بدا المأزق واضحا لهم، فتلعثم حذيفة في حين حاول سالم تبرير ذلك بقوله:
    - لم يكن الصبح قد طلع بعد يا أخي وبصعوبة تبينا طريقنا إلى هنا عبر الممر المعتم، خفنا عليك..
    لكن يمان قاطعه وقد احمر وجهه ونفرت الدموع من عينيه:
    - أنا لم أعد صغيرا حتى أخاف الظلام!!
    شعر علاء بحرج الموقف، فحاول أن يجد كلمات مناسبة علها تلطف الجو:
    - بالتأكيد نحن نعرف أنك لست صغيرا يا يمان، ونعترف أننا أخطأنا بحقك..
    ثم التفت الى سالم وحذيفة:
    - اليس كذلك؟
    فأومأ الاثنان بالموافقة..
    وتابع علاء:
    - كن كريما معنا يا يمان واقبل عذرنا، ثم إنك شجاع وقوي، والقوي هو من يملك نفسه عند الغضب، أليس كذلك؟
    اطرق يمان قليلا وهو يلتقط أنفاسه الغاضبة، حتى هدأ، فقال علاء:
    - والآن هل تعاهِدنا؟؟
    علت علامات الاستفهام وجه يمان وهو يسأل:
    - أعاهد على ماذا!!
    فابتسم علاء:
    - على إصلاح ما فسد من حال أمتنا، فنجمع كلمتهم على الحق، ونوحد صفهم ونرفع رايتهم؟
    فهتف يمان بمرح- وقد زال غضبه بسرعة:
    - أعاهدك على ذلك يا علاء..
    ثم قال حذيفة:
    - وأنا أعاهدك يا علاء، و لنا أجر النية والاجتهاد بإذن الله..
    فتابع علاء:
    - لقد كان أبي يردد دوما: (فإذا عزمت فتوكل على الله) ولنبدأ بإعداد أنفسنا، فأطول طريق يبدأ بخطوة..
    عندها قال سالم:
    - وأنا أعاهدكم على ذلك، سأمعن في التفكر والتدبر في كل ما أراه من حولي، حتى أصل إلى اكتشاف القوانين التي تفسر ما عصي علينا فهمه حتى الآن، سأبذل جهدي في تعلم سنن الله في هذا الكون العظيم..
    وقال حذيفة:
    - سأزيد من مطالعتي في أمهات الكتب، وأبحر في العلوم حتى أصبح علما من أعلامها، وأسأل الله أن يعلمني ما ينفعني وينفعني بما علمني وأعوذ بالله من علم لا ينفع..
    فقال يمان بحماس:
    - وأنا سأبذل جهدا مضاعفا في دراستي، حتى أتفوق وأدخل السرور على قلب أمي وأبي فأكسب رضاهما ودعواتهما..
    فغمزه سالم مازحا:
    - وماذا عن الثلاثية؟
    احمرت وجنتا يمان، كمن تذكر أمرا سيحول بينه وبين تنفيذ وعده، لكنه سرعان ما قال:
    - سأنظم وقتي بين اللعب والدراسة..
    ثم هتف بحماس:
    - أجل سأنظم وقتي إن شاء الله لأتفوق في دروسي، وأصبح بطلا في الثلاثية في الوقت نفسه..
    فالتفت حذيفة إلى علاء موضحا:
    - يمان مشترك في فريق المدرسة للثلاثية، وقد حصل على وسام المدارس للثلاثية هذا العام على مستوى منطقة السهول بأسرها، مشكلته الوحيدة أنه يقضي وقته بالتدريب على حساب دراسته!
    ابتسم علاء:
    - من الآن فصاعدا سيرينا يمان كيف يكون لاعب الثلاثية المسلم البار بوالديه والمتفوق في دراسته، فيكون مضرب المثل بين الجميع إن شاء الله..
    أضاف سالم الذي أعجب بمنطق علاء:
    - عندها ستتحدث جدر الأخبار جميعها في عناوينها الرئيسة عن اللاعب المسلم البارز الذي استطاع التوفيق بين الدراسة واللعب فأبدع فيهما معا، ليحل اسم يمان عامر، محل (لاكومار بان)..
    فتح يمان عينيه دهشة:
    - لاكومار بان!! لا تمزح يا سالم!!!
    فبادره علاء برده:
    - وما الذي يعنيه لاكومار بان إلى جانب يمان عامر الذي سيحرص على رضا الله في جميع أحواله بإذن اللهّ!!
    وأيده حذيفة بقوله:
    - نحن لا نمزح معك يا أخي، أنت أهل لها..
    عندها شعر يمان برغبة جامحة في الوصول إلى القمة في كل شيء، فقال بحزم:
    - أعدكم أنني لن أتنازل عن التفوق أبدا إن شاء الله..
    ثم التفت الأخوة الثلاثة صوب علاء، ولسان حالهم يقول:
    - وماذا عنك يا علاء؟
    طأطأ علاء رأسه قليلا قبل أن يقول بقوة:
    - أعدكم أنني لن أتنازل عن أن أصبح قائدا فاتحا يحرر العالم من هذا الظلم والهوان بإذن الله..
    وأشاح سالم بوجهه بعيدا، يخفي دمعة كبيرة حمّلها مشاعره وأحاسيسه المتأثرة بهذا الموقف الصلب، وأدرك أن ذلك الفتى الذي يصغره بسنوات معدودة، يكبره بسنوات كثيرة من الفهم والإدراك وقرر مجاهدة نفسه وحملها على الصعاب لعله يستطيع اللحاق بموكب فاته بعد أن أيقظ في نفسه ما عجز عن إيقاظه من سنين.. وهو يردد في أعماق نفسه.. حفظك الله يا علاء...

    ***


    فاصل


    الثلاثية: هي لعبة مبتكرة خاصة بعالم "مدرسة الفروسية" تقابل كرة القدم تقريبا في عالمنا الحقيقي، فهي تعد أكثر الألعاب شعبية على الاطلاق- في عالم مدرسة الفروسية الخيالي- يلعبها الجميع على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم وأعمارهم، ويتم التعديل على قوانينها أحيانا لتلائم الظروف الخاصة بكل فئة، أما الأطفال فغالبا ما يلعبونها بأساليبهم الخاصة.
    يتواجه فيها فريقان، وقد كانت في الماضي تُلعب بثلاثة لاعبين لكل فريق، غير أنه جرى تعديل عليها من قِبل منظمة الثلاثية العالمية، ليكون أكثر ملاءمة للأجواء العامة للعبة، وذلك بإضافة لاعب في مثلث البداية لكل فريق، خاصة بعد التعديلات الأخيرة التي طرأت على أبعاد الملعب..
    فأصبحت تتكون من أربعة لاعبين للفريق الواحد:
    اثنان في مثلث البداية (الباديان)، واحد في الرماية (الرامي)، والرابع في مثلث الحماية (الحامي)، ومن الممكن بطبيعة الحال أن يغير اللاعبين أماكنهم أثناء اللعب، وهناك طريقة خاصة لاحتساب النقاط وتحديد الفائز..

    وهذا مخطط الملعب:



    أشهر المسميات في عالم الثلاثية:
    ا- وسام الأرض الثلاثي:
    قد يُعرف أيضا بـ (وسام الأرض) اختصارا، وهو عبارة عن سبيكة من الذهب الخالص تُصَب على شكل نُصُب مُصمَت ذو قاعدتين مثلثتين، ارتفاعه ثُلث ذراع، وأطوال أضلاع مثلث القاعدة العلوية سُدس ذراع لكل ضلع ، أما القاعدة السفلية فثلث ذراع للضلع الواحد، (حيث أن كل قاعدة على شكل مثلث متساوي الأضلاع)، أما جوانبه الثلاث فهي مزخرفة بالنقوش المطعّمة بالالماس..
    يُمنح للفريق الفائز في منافسات وسام الأرض والذي يقام كل ثلاث سنوات، حيث تشترك فيه الفرق المتنافسة من جميع المناطق والممالك، ويحق للفريق الفائز الاحتفاظ به حتى موعد الدورة المقبلة..


    ب- منظمة الثلاثية العالمية:
    وهي المنظمة المسؤولة رسميا عن تنظيم منافسات (وسام الأرض الثلاثي)، وتحديد المدينة الملائمة لاستقبال المنافسات في كل دورة، وتتكون بشكل رئيس من ثلاثة أعضاء دائمين، من الممالك الثلاثة الكبرى، رامان وسومار وباروسال، حيث انضمت الأخيرة لهذه العضوية بعد سقوط مملكة شيلاس التي كانت عضوا رئيسا في المنظمة، هذا بالاضافة إلى ثلاثة أعضاء مساندين، وثلاثة أعضاء متغيرين، ويتم اختيارهم بالقرعة كل تسع سنوات..

    جـ- لاكومار بان:
    يعد أشهر اللاعبين الذين لمعت أسماؤهم وارتبطت ارتباطا وثيقا بعالم الثلاثية من دون منازع، فلا تكاد تُذكر الثلاثية من دونه، ولا يُذكر من دونها..
    انضم رسميا لفريق بلاده وهو في الثالثة عشر من عمره في سابقة فريدة من نوعها، بعد أن أثبت جدارة منقطعة النظير في اللعب، وهو رامي فريق رامان الموحّد وقائده، والذي مكّن فريقه من الحصول على وسام الأرض الثلاثي لستة دورات متتالية، عن طريق احرازه مجموعة قياسية من نقاط الرمية الثلاثية الساحقة خلال المنافسات، حتى أطلق عليه لقب (أسطورة الثلاثية)..


    عدنا

    اجتمعت العائلة بمن فيهم علاء على العشاء، بعد أن قضى يوما حافلا تجول خلاله في المدينة بصحبة الأخوة الثلاثة، فزار مدارسهم ورأى ملعب الثلاثية الضخم الذي أقيم على مساحة مثلثة ترابية، كما تعرف إلى أهم معالم المدينة عوضا عن قلعة السلم، القلعة الحربية الأثرية التي زارها في باكورة الصباح، دون أن يعيقهم ذلك عن أداء صلاة الجماعة في الجامع الذي يقابلهم في طريقهم. أخذت هدى تسكب المزيد من الطعام في صحن علاء وهي ترمق أولادها بنظرات تأنيب:
    - تفضل، هيا كل جيدا يا بني، فأنت لم تتناول غداءك بسبب هؤلاء الثلاثة..
    فرد علاء شاكرا:
    - جزاك الله خيرا يا خالتي، ولكنني صدقا لم أشعر بالجوع..
    لكن هدى خاطبته بود:
    - هذا من ذوقك يا بني، ولكن هذا لا يغفر لهم الإهمال في حق الضيافة..
    عندها ضحك عامر:
    - لا داعي لتأنيب الأولاد هكذا يا عزيزتي، فلا شك أنهم اجتهدوا في إسعاد ضيفهم وفاتهم مسألة الطعام..
    بدت نظرات عتاب واضحة في عيني هدى، وهي تحاول الحفاظ على هدوء أعصابها:
    - حتى أنت يا عامر!! أهكذا يكرم الضيوف!! لا تحاول أن تجد مخرجا لهؤلاء الأولاد عديمي الذوق..
    ابتسم عامر وهو يومئ برأسه موافقا لها، ولم يشأ أن يزيد من تعقيد الموقف، إذ كانت في أوج غضبها من تقصير أبنائها، ونقل نظره بين أبنائه، الذين ألجمهم الموقف، فطأطؤوا رؤوسهم خجلا دون أن ينبسوا ببنت شفة:
    - أعتقد أن الرسالة قد وصلت بوضوح..
    و دار بمحور الحديث بسرعة، إذ شعر أن الموقف قد أحرج علاء نفسه، قائلا:
    - بالمناسبة يا علاء، لقد سخر الله لك من يعين على إعداد رقعتك الأمنية بسرعة أكثر مما توقعنا، وبإذن الله تكون جاهزة في خضم أسبوع..
    علت الفرحة وجه علاء، وهو يهتف مبتهجا:
    - جزاك الله خيرا يا عمي، واعذرني على ما سببته لك من إزعاج..
    فعلق عامر معاتبا:
    - لا تقل هذا يا بني، فأنت واحد من أبنائي، ولو كان والدك مكاني لصنع الشيء نفسه..
    وتابع باسما:
    - ثم إن أمورك أنجزت بسرعة بفضل الله، فقد سهلها الله من عنده ولم أواجه أي عناء..
    تساءل يمان وقد بدا واضحا أن الخبر لم يعجبه:
    - هل هذا يعني أنك ستسافر الأسبوع القادم يا علاء؟
    وراودت علاء مشاعر حزن خفية وهو على وشك فراق هذه العائلة الطيبة، التي اعتبرته فردا منها رغم قصر المدة التي قضاها معهم. خيم صمت مطبق قبل أن تقطعه هدى بقولها:
    - سندعو جميعنا لعلاء أن يوفقه الله في مدرسته الجديدة، ونسأل الله أن يرزقه السعادة فيها حتى يحقق أحلامه بإذن الله، فسعادته من سعادتنا، أليس كذلك يا أبنائي؟
    أومأ الثلاثة بالموافقة وهم يقاومون حزنهم لفراق علاء الذي أدخل عليهم جوا جديدا من البهجة والسرور لم يألفوه من قبل. وتابع عامر مشجعا – وقد أدرك مع زوجته هدى مدى الفراغ الذي سيخلفه سفر علاء في نفوس أبنائهم:
    - وسنتعاهد جميعا منذ هذه اللحظة أن نبقى على الوعد، نبذل قصارى جهدنا إرضاء لربنا كي نستعيد مجدنا الذي أضعناه بإهمالنا وتقصيرنا، وسنشارك علاء في تحقيقه لأهدافه من هنا، أليس كذلك يا أولاد؟
    عندها هتف الثلاثة بحماس:
    - بالتأكيد إن شاء الله..
    وعقّبت هدى مبتسمة وقد سرها رؤية أبنائها وقد استعادوا حماسهم:
    - و لن يبخل علينا علاء برسائل يطمئننا فيها عن نفسه، ويحدثنا بأخباره..
    فتهلل وجه علاء بشرا:
    - بالطبع يا خالة، ولن أنساكم أبدا ما حييت وسنلتقي يوما ما إن شاء الله..

    ***


    استعد علاء لمغادرة المدينة، واجتمع حوله أصدقاؤه الثلاثة لتوديعه. ضغط سالم على يديه بحرارة:
    - لا تنسانا من الدعاء، وبلغ تحياتنا إلى أصدقائك الجدد..
    ثم قال:
    - أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وان تكون مدرسة النصر أروع مما سمعنا عنها..
    وعانقه حذيفة:
    - لا تنسانا يا علاء واذكرنا دوما، وما يدريك فقد يقدر الله لنا الالتقاء يوما ما وقد حققنا أحلامنا..
    وناوله يمان سيفا صغيرا:
    - احتفظ بهذا السيف يا علاء واعتن به جيدا فهو عزيز علي..
    ربت علاء على كتفه مبتسما:
    - إذن ما رأيك أن تحتفظ به أنت، فلا شك أنه سيعز عليك كثيرا!
    قاطعه يمان بقوة:
    - كلا.. أريدك أن تذكرني به يا علاء..
    تناول علاء السيف الصغير ووضعه في جيبه، ثم قبل يمان على رأسه:
    - جزاك الله خيرا، ولا تنس ما وعدتنا به من التفوق في دروسك..
    ابتسم يمان:
    - أعدك بذلك، بل وسأتفوق عليكم جميعا إن شاء الله..
    ابتسم علاء:
    - إن شاء الله..
    اقترب عامر من علاء، وهو يناوله حقيبة صغيرة بدا أنها تنوء بحملها:
    - تفضل هذه يا بني، إنها أقل ما نستطيع تقديمه، واعذر تقصيرنا نحوك..
    قاطعه علاء:
    - لا تقل هذا يا عمي، وجزاكم الله خيرا فقد سعدت بصحبتكم كثيرا..
    ثم التفت إلى السيدة هدى يشكرها:
    - لا تنسينا من دعواتك الطيبة يا خالة..
    وغالبت هدى دمعات إشفاق على هذا الصغير وهي تودعه:
    - وأنت يا بني عليك بدعاء السفر، فدعاء المسافر مستجاب بإذن الله، نستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..
    وانطلقت العربة وانطلق معها صوت سالم مختلطا بصوت حذيفة ويمان، وصداهم يتردد في الآفاق:
    - تذكر ما تعاهدنا عليه يوما يا علاء...

    ***


    كانت العربة قد ابتعدت كثيراً حين اشتدت الرياح والعواصف بعد أن قاربت الشمس على المغيب, واعلن السائق استحالة متابعة الطريق في ظل هذه الظروف. وما كادت تقف العربة أمام دار للاستراحة، حتى علا الهرج والمرج من أصوات ركابها بين مؤيد ومعارض:
    - ألم تجد غير دار (قصر الذهب) ذات الأجرة المرتفعة؟؟
    فرد آخر:
    - وما الذي تريده يا رجل!! دار مليئة بالحشرات والقوارض!
    وسانده ثالث:
    - يكفي أنها دار محترمة من الصنف الأول..
    فصرخ رابع:
    - إذا كنتم تملكون أجرتها المرتفعة فهذا لا يعني أن تتناسوا الآخرين..
    وعلق آخر:
    - لا ما نع لدي إن نزلت في ضيافتكم يا سادة، ولن تسمع صوت اعتراضي بعدها..
    لكن الجميع أذعن للأمر الواقع، فما بيدهم حيلة بعد أن حسم السائق أمره قائلا بحزم:
    - ستقف العربة هنا فالمكان آمن، ومن لا يمتلك ثمن الإقامة في دار قصر الذهب، يستطيع قضاء هذه الليلة في الحانوت المجاور، فقد ألحقوا به صالة كبيرة تؤجر فرشا للنوم فيها بأجر زهيد جدا..
    نزل علاء من العربة وهو يحمل حقيبته، ووقف يتأمل دار قصر الذهب، محدثا نفسه:
    - يبدو واضحا من بنائه الفاره أنه ذا أجرة أكبر مما يخطر بالبال.. ترى ماذا لو لم أمتلك ثمن الإقامة فيه؛ هل أذهب إلى ذلك الحانوت!!
    وأثناء ذلك طرق سمعه صوت رجل يصرخ من الداخل:
    - ألا تكتفي بمائة وخمسين قطعة نقدية! أم أنك تظنه مبلغا قليلا يا رجل!!
    - هذه أسعارنا..
    - يا لكم من جشعين..
    وبعد لحظات سمع خلالها علاء همهمة وضجيجا، رأى الرجل يخرج مزمجرا، دون أن يتورع عن قذف الجميع بسيل من الشتائم اشمأز لها. كان علاء ما يزال واقفا أمام مدخل الدار يشاور نفسه، عندما اقترب منه رجل لم يسترح علاء لمظهره ولا لنظراته، وهو يقول له:
    - إلى متى ستبقى واقفا هنا يا فتى، ستصاب بالبرد.. إذا كنت لا تملك ثمن الإقامة في هذه الدار فبإمكانك مرافقتي إلى الحانوت، وسنقضي الليلة معا..
    ثم أمسك بيد علاء قائلا:
    - هيا سأجد لك فراشا قربي..
    لكن علاء جذب يده منه بقوة وهو يقول:
    - شكرا لك يا عم، لا أرغب في الذهاب إلى ذلك الحانوت!
    ألقى الرجل في عيني علاء نظرات ذات مغزى، ثم ابتسم بمكر:
    - هل تظن نفسك قادر على دفع ثلاثمائة قطعة نقدية !! فكر في الأمر جيدا؛ سأحجز لك فراشا قربي و على حسابي الخاص..
    ثم ابتعد وهو يقهقه بصوت مجلجل كدوي الرعد:
    - لا تتأخر فسأكون بانتظارك..
    وجد علاء نفسه في موقف حرج جدا وهو في حيرة من أمره:
    - ثلاثمائة قطعة نقدية!! كيف سأدفع هذا المبلغ الكبير حقا!! ما زالت أمامي مصاريف كثيرة علي دفعها حتى أعبر منطقة الجبال!! هل أغامر بالذهاب إلى ذلك الحانوت؟؟ وتراءت له صورة والده وهو يحذره مرارا:
    - انتبه يا بني، ما زلت فتى يافعا في مقتبل العمر و إياك أن تختلط كثيرا بالرجال الغرباء وحدك..
    وأخيرا حزم علاء أمره:
    - حسنا يا أبي، لن أذهب إلى ذلك الحانوت ولو كلفني الأمر أن أبقى في العراء..
    وردد في سره:
    - يا رب أعني واكفني ما أهمني، لا حول ولا قوة لي إلا بك..
    وفتح حقيبته ليخرج محفظته ويعد ما تبقى بها من نقود، ولدهشته الشديدة، وجد بها كيسا لم يعهده معه من قبل، فخفق قلبه بشدة وهو يرى ما بداخله، كان به ما يزيد على سبعمائة قطعة نقدية! دمعت عينا علاء و خرّ ساجدا على الأرض شكرا لله أن نجاه من هذا المأزق:
    - كم أحبك يا رب، اللهم لك الحمد حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه.. يا رب.. جاز عني عمي عامر وخالتي هدى خير الجزاء، وبارك لهم في أموالهم وأهلهم وأعني كي أرد لهم هذا الجميل..
    جلس معظم الزوار في صالة كبيرة يتناولون طعامهم ويتسامرون في حين انزوى علاء بغرفة صغيرة – دفع ثمن إقامته فيها ليلة واحدة – يطالع كتابا أهداه له حذيفة بعد أن أدى صلاة المغرب والعشاء قصرا وجمعا، وتناول بعض الشطائر اللذيذة التي أعدتها السيدة هدى، وبينما هو مستغرق بقراءته، إذ طرق سمعه صوت أفزعه فأسرع ينزل من غرفته فاصطدم دون أن يشعر بابنة صاحب الدار وهي فتاة تكبره بعدة سنوات، فاعتذر إليها بأدب:
    - أرجو المعذرة، سامحيني..
    ثم التقط نفسا قبل أن يتابع مستفسرا:
    - أعتقد أنني سمعت صوتا!!
    فابتسمت الفتاة قائلة:
    - لا تقلق، إنه مجرد شجار بسيط كالمعتاد..
    فغر علاء فاه بدهشة:
    - ما الذي تقصدينه بالمعتاد!! هل هذا مكان مشاجرة؟!!
    فهزت الفتاة رأسها نفيا:
    لم أقصد هذا... ولكن يبدو أن أحدهم أفرط بشراب السيسي..-
    فأطلق علاء شهقة مكتومة:
    - شراب السيسي!!!! ما هذا الشراب؟؟
    ضحكت الفتاة بصوت مرتفع:
    - ألا تعرف السيسي؟ إنه من أنواع الخمور الفاخرة..
    عندها لم يملك علاء نفسه أن صرخ بفزع:
    - وهل يوجد خمور هنا؟!!!!
    فوجئت الفتاة من ردة فعله، لكنها سألته بكثير من الاستهزاء ترد على استنكاره الذي استفزها:
    - من أين أنت يا فتى؟
    استفزت علاء تلك اللهجة فرد بحزم:
    - وماذا يعنيك من أمري؟
    فردت الفتاة باستعلاء:
    - ببساطة شديدة، لأن الجميع يعرف أن السيسي تباع بدور الاستراحة العامة..
    وتابعت بفخر شديد:
    - ولا سيما الدور المتقدمة ذات الرفاهية العالية..
    ثم استدركت:
    - أعتقد أنك الفتى الذي ينزل وحده!
    وفي تلك اللحظة اندفع رجل ضخم نحوهما، وهو يخور وقد انتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، ففزع علاء من مظهره في حين أمسكت الفتاة بيده وتنحيا جانبا، حاول الرجل الاقتراب من الفتاة مادا يده إليها لكنها أزاحته بقوة، فما لبث أن ترنح ووقع أرضا. اقترب بضعة رجال منه وقال أحدهم:
    - لقد غط في سبات عميق، علينا أن نحمله إلى غرفته..
    فعلق رجل آخر:
    - لقد نصحته مرارا وتكرارا أن لايكثر من الشراب، فهو لا يستطيع السيطرة على نفسه!
    فردد آخر بأسف:
    - ياله من مسكين..
    وانصرفوا وهم يقتادونه إلى غرفته..
    التفتت الفتاة إلى علاء- المفزوع من هول المشهد- تحاول تهدئته:
    - يبدو أنها أول مرة ترى فيها سكارى! لا تخف إنهم لا يستطيعون إيذاء أحد، وقواهم تنهار بسرعة..
    استرد علاء أنفاسه المتلاحقة ثم سألها:
    - ولماذا تسمحون بمثل هذه الفوضى؟!
    فردت الفتاة مبررة:
    - نادرا ما تحدث الفوضى، فكما رأيت حُلت المشكلة في لحظات معدودة، وزوارنا عادة يعرفون السيطرة على أنفسهم فمعظمهم من الطبقة الراقية..
    قالت الجملة الأخيرة بكثير من الاعتزاز، لكن علاء رد بتعجب:
    - وما دخل الرقي في هذا الموضوع؟
    بدا على الفتاة امارات يائسة وهي تقول:
    - يبدو لي أنك لا تفهم!!
    ثم تابعت:
    - على كل حال فدارنا من أشهر الدور وأعظمها؛ فهي أول من خصص قسما للشراب..
    فقاطعها علاء غاضبا:
    - وهل هذا مما يفتخر به!! ألا يكفي ما تقدمون على فعله من حرام!!!
    ابتسمت الفتاة هازئة:
    - إنك بقولك هذا تذكرني بتلك الفئة المزعجة التي تحشر أنفها فيما لا يعنيها وهم يظنون أنفسهم خلفاء الله على الأرض!
    استشاط علاء غضبا لتلك السخرية الواضحة، لكن الفتاة تابعت:
    - إننا لا نحضر سوى أنواع معينة من الخمور الجيدة، فأبي يتعامل مع كبار التجار المرموقين في هذا المجال وبخاصة التابعين لمدينة (آماس)..
    قالتها بنبرة حالمة وهي تتابع:
    - كم أتمنى زيارتها..
    فقال علاء، وهو يحاول السيطرة على أعصابه جاهدا:
    - الخمور خمور على كل حال..
    لكن الفتاة قالت موضحة:
    - لا تنس أن بعض زوارنا من غير المسلمين، جاؤوا للتجول في مناطقنا ولابد أن نوفر لهم ما يحتاجون إليه..
    فقال علاء بضيق:
    - وهل ترتكبون محرما من أجل إرضاء من لا يفيدنا إرضاؤه!!
    فردت الفتاة بكل ثقة:
    - ومن قال لك أنه لا يفيد!! فبهذه الطريقة يستمتعون برحلتهم أكثر، ويتحدثون عنا بكل خير عند عودتهم إلى ممالكهم، بدلا من أن نبقى في أعينهم أناسا متخلفين..
    رد علاء وقد يأس من جدالها:
    - لا أعرف كيف تفكرين.. ألا يهمكم أن يكون المال حلالا؟
    عندها قالت الفتاة وقد نفد صبرها:
    - يبدو أننا غير متفقين في هذه النقطة، لذا دعنا نتحدث عن شئ آخر..
    فحاول علاء التملص منها قائلا:
    - اعذريني فلا وقت لدي..
    فابتسمت الفتاة وهي تقاطعه بمرح:
    - لا تتكلم هكذا كالكبار..
    ثم تابعت:
    - دعني أتذكر.. أظن أن اسمك علاء نور الدين، أليس كذلك؟؟
    أومأ علاء بالإيجاب، فقالت الفتاة:
    - لم تسألني كيف عرفت؟
    ولم تنتظر ردا، بل تابعت:
    - لقد سمعت العامل المسؤول عن سجلات الزبائن يتحدث عن صبي ينزل وحده..
    امتعض وجه علاء، فقد تذكر ما حدث له مع ذلك العامل الذي استهزأ به كثيرا، حتى استطاع حسم الموقف بوضع النقود أمامه..
    لا حظت الفتاة مادار بخلد علاء مرتسما على وجهه، فتابعت:
    - إنك فتى شجاع حقا، لتسافر وحدك!
    لم يعبأ علاء بكلامها كثيرا وهم بالانصراف لكنها استوقفته قائلة:
    - ألا تريد معرفة اسمي.. صحيح أنه ليس جميلا فهو قديم ولا يناسب فتاة مثلي، فعمي هو من أطلقه علي حين كان في ضيافتنا أثناء ولادتي..


    ******


    فما اسم هذه الفتاة؟ وكيف سيتعامل علاء معها؟

    تابعونا.. فقد اقترب علاء من الوصول إلى "مدرسة الفروسية" ^^


    أما الآن.. فيسعدني أن أعرض عليكم هذه الرسمة من ابداع قارئة "مدرسة الفروسية"
    "أحلام العبد الله" من سوريا، فجزاها الله خيرا (:









    وإلى اللقاء في حلقات جديدة إن شاء الله (:

    فلا تنسونا من صالح دعائكم

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  12. #12
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    مرحبا كيفك روعة مغامرات جميلة التي خاضها علاء رغم سنه ★

    شكراً لك لكن لي سؤال أهي قصة مطبوعة ف كتاب أو أنمي ^^


    جزاك الله خيرا لمتابعتك واهتمامك وإن شاء الله تجدين الأحداث القادمة أجمل، فما زلنا في البداية ^^

    بالنسبة لمدرسة الفروسية فهي قصة مطبوعة في كتاب، ولكننا نعمل أيضا على مشروع أنمي، ولا شك أنك رأيت رسمة شخصية "اسماء عبد القادر" من ابداع الاخت "سارة مولا من الجزائر" والتي نشرنا حلقة خاصة عنها في كوكب زمردة (الحلقة صفر)، رسمة شخصية "اسماء" هي من الرسومات التي سيتم اعتمادها في مشروع الأنمي إن شاء الله

    فدعواتكم بتسهيل الأمور (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آلأه وصحبه وسلم

  13. #13
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alfurussiah مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا لمتابعتك واهتمامك وإن شاء الله تجدين الأحداث القادمة أجمل، فما زلنا في البداية ^^

    بالنسبة لمدرسة الفروسية فهي قصة مطبوعة في كتاب، ولكننا نعمل أيضا على مشروع أنمي، ولا شك أنك رأيت رسمة شخصية "اسماء عبد القادر" من ابداع الاخت "سارة مولا من الجزائر" والتي نشرنا حلقة خاصة عنها في كوكب زمردة (الحلقة صفر)، رسمة شخصية "اسماء" هي من الرسومات التي سيتم اعتمادها في مشروع الأنمي إن شاء الله

    فدعواتكم بتسهيل الأمور (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آلأه وصحبه وسلم

    مساء الهنا يبدو أننا وفقنا ف متابعة قصة قبل نزولها أنمي ♥

    بارك الله فيك على مجهود رائع و قصة روعة و تزداد إثارة مع كل حلقة ★

    متابعة معك حتى نهاية لأرى أحداث وما ستكون عليه دمت بخير ♡


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


  14. #14
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة السادسة: ذكريات علاء ج5/ نهاية الرحلة


    الحلقة السادسة: ذكريات علاء ج5/ نهاية الرحلة



    - ألا تريد معرفة اسمي.. صحيح أنه ليس جميلا فهو قديم ولا يناسب فتاة مثلي، فعمي هو من أطلقه علي حين كان في ضيافتنا أثناء ولادتي..
    هذا ما قالته تلك الفتاة لعلاء..
    ثم تنهدت:
    - كم أبغض عمي هذا..
    فقاطعها علاء بلباقة، حتى لا تسترسل في الحديث عن عمها، قائلا:
    - حسنا وما هو اسمك؟
    فأجابت الفتاة بنبرة تظهر فيها الحسرة بوضوح:
    - ريحانة، لكن تستطيع مناداتي ساندرين فأنا أحب هذا الاسم كثيرا..
    علت إمارات التعجب وجه علاء وهو يقول:
    - ولكن ريحانة اسم جميل، ألا يكفيه فخرا أنه اسم إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، عوضا عن معناه الجميل!
    كان علاء على وشك أن يقول لها، ولا أعتقد أنك تليقين به أصلا، لكنه أمسك لسانه في اللحظة الأخيرة، حتى أن ريحانة شعرت به وهي تقول:
    - أنت تفكر بطريقة غريبة!!
    تجاهل علاء كلماتها المستفزة، وهو يحاول الظهور بمظهر الداعية السمح لين الجانب، قائلا:
    - والآن أخبريني عن وجه الجمال في ذلك الاسم العجيب الذي اخترتيه لنفسك؟؟
    أطرقت ريحانة قليلا قبل أن ترد:
    - أتقصد ساندرين؟
    أشار علاء برأسه مجيبا:
    - أجل، ما معناه؟
    فأجابت ريحانة مبتسمة وقد سرها تجاوبه معها- ليدور بينهما حوار طويل:
    - في الحقيقة لا أعرف، ولكنه اسم جميل وهو يعجبني..
    فتساءل علاء:
    - ومن أين سمعت به حتى أعجبك؟؟
    فقالت ريحانة بدهشة:
    - هل ستخبرني بأنك لم تسمع عن أجمل مقطوعة غنائية!!
    فأجاب علاء بثقة:
    - أنا لا أستمع للغناء بحمد الله..-
    عندها شعرت ريحانة بأنه من الواجب عليها توعية هذا الفتى الجاهل- برأيها- وهي تقول بتفان:
    - إنها مقطوعة مشهورة جدا ألفها المغني و الموسيقار الشهير (ساكورغان) من مدينة آماس، ثم طاف بها مدنا ومناطق كثيرة وهناك الكثيرون الذين حفظوها فانتشرت واشتهرت حتى من لم يسمعها؛ عرف عنها ولو القليل..
    لكن علاء رد دون اكتراث:
    - أنا لا تهمني مثل هذه السخافات، فما علاقتها بما كنا نتحدث عنه؟
    فأجابته ريحانة، متجاهلة تلك الاهانة:
    - ألم تفهم بعد؟ ببساطة اسم هذه المقطوعة (ساندرين) وهو اسم الفتاة التي أحبها ساكورغان..
    فقاطعها علاء بضيق وقد نفد صبره:
    - لا داعي لإكمال هذا الهراء..
    فقالت ريحانة بإصرار:
    - لكنك لم تعرف السبب الرئيس لاختياري الاسم بعد، دعني أكمل القصة..
    ورغم تثاؤب علاء، إلا أن ريحانة أكملت قائلة:
    - تخيل!! لقد نزل هذا الرجل الموهوب ساكورغان عندنا أثناء تجواله، وقد حصلت على توقيعه..
    بدا أن علاء على وشك أن يفقد كل ما يمتلكه من ذوق وتهذيب، وهو يرد عليها ببرود:
    - يا لهذه السخافة، يجب أن تخجلي من نفسك، لا أن تتباهي بما تفعلين!!
    استشاطت ريحانة غيظا رغم تمالكها لنفسها وهي تقول بحدة:
    - عن أي سخافة تتحدث؟؟ لقد تجاوزت حدودك كثيرا!!
    شعر علاء بأنه قد أخطأ في أسلوبه، فما هكذا يكون المسلم فظا في تعامله، كما نبهه والده مرارا، فحاول تلطيف الجو بقوله:
    - عذرا لم أقصد الإهانة، كل ما أريد قوله أنه يكفينا ما نعانيه من الأعداء المتربصين بنا، ودماء المسلمين المراقة بسببهم..
    بدت علامات الدهشة على وجه ريحانة وكأنها حُدّثت بلغة لا تفهمها، أو سمعت أحجية عجزت عن فك طلاسمها! فمنذ متى كانت شؤون المسلمين تستحوذ على تفكيرها! حتى قالت أخيرا:
    - يبدو أنك أكبر من سنك بكثير..
    ظن علاء أن بقولها هذا سينتهي الحوار، لكن ريحانة تابعت كلامها:
    - نحن نأسف لحالهم بالطبع، لكن هذا العدو المتربص بنا لا يريد منا الاستمتاع بحياتنا.. يريد لنا الشقاء والحزن الدائم.. وعلينا أن نثبت له أننا قادرون على الصمود وعيش حياة طبيعية بفرح ولهو؛ وفي هذا تحد له..
    كان هذا آخر شيء توقع علاء أن يسمعه، لقد صدم حقا بهذا التبرير غير المنطقي بالنسبة له، ولم يخف على ريحانة ملاحظة ذلك، فأسرعت تغير الموضوع - حتى لا تخسر الحديث مع علاء الذي وجدته مسليا- وسألته:
    - لم تقل لي أين وجهتك!
    فرد علاء باقتضاب يحاول التخلص من قبضتها:
    - مدينة رياح..
    ورغم إجابة علاء المقتضبة، إلا أن ريحانة استمرت في أسألتها له:
    - وهل لديك أقارب فيها؟
    واستمر علاء بإجاباته المختصرة وهو يجيب بالنفي على أمل إنهاء الحديث قبل أن يقع في مأزق سلوكي فظ، فهو ما يزال مبتدئا في طريق الدعوة ولا يتقن فن التعامل مع الآخرين، أو على الأقل مع هذه النوعية من الناس، في حين واصلت ريحانة أسئلتها التي لا تنتهي:
    - لماذا ستذهب إليها إذن؟
    ولم يجد علاء بدا من إجابتها وهو يشعر أنه في معترك اختبار لا مفر له منه:
    - لألتحق بمدرسة النصر للفروسية..
    فشهقت ريحانة:
    - هل تركت أهلك وأقاربك، وتكبدت عناء السفر للالتحاق بمدرسة؟
    فرد علاء بهدوء:
    - هذا شأني..
    فاستطردت ريحانة:
    - وأما أنا فأتمنى السفر إلى مدينة آماس مدينة الجمال والتقدم والحرية والرقي حيث الانطلاق والرفاهية..
    لم يعد علاء يطيق الاحتمال أكثر وأمسك لسانه مرة أخرى قبل أن يقول لها، يا لك من ثرثارة، وبذل جهدا مضاعفا، وهو يحاول تخيل ما كان سيصنعه والده لو كان بموقفه، ليقول لها بلباقة:
    - لقد تأخر الوقت كثيرا وأخشى أن تفوتنا صلاة الفجر..
    قال عبارته وهو يظن أنه يستطيع الإفلات.. لكن هيهات، فقد انتهزت ريحانة هذه الفرصة لفتح حوار جديد فبادرته سائلة:
    - وهل تصلي؟
    ورغم دهشة علاء بهذا السؤال، الذي لايرى مسوغا له إلا أنه رد عليها:
    - بالطبع، وهل ستقولين لي أيضا أنك لا تصلين!!
    فأجابت ريحانة بثقة:
    - ولا أعرف حتى كيفية الصلاة!
    لم يملك علاء نفسه أن قال:
    - وهل تعيشين في بيت مسلم؟؟ لقد بدأت أشك في هذا!!
    لم تهتم ريحانة بكلامه بل تابعت:
    - ولكنك ما زلت صغيرا على الصلاة..
    صاح علاء:
    - صغيرا على ماذا!! ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) أم أنك ما تزالين دون السابعة؟
    لكن ريحانة ردت بلا مبالاة:
    - يبدو لي أنك مسل جدا فأنت تتحدث كالكبار، وتظن نفسك خليفة الله على الأرض..
    وانفجرت ضاحكة:
    - وقد أعجبني الحديث معك..
    لم يعبأ علاء بها وهم بالانصراف، لكنها استوقفته قائلة:
    - لماذا لا تبقى نتحدث قليلا، فأنت لم تخبرني عن رحلتك بعد وليل الشتاء الطويل، مازال بأوله..
    فرد عليها علاء بجفاء لا حد له، وقد نفد صبره تماما ونسي ما حدث به نفسه قبل قليل:
    - يكفي ما أضعناه من الوقت، ثم إنني لا أحب الحديث مع الفتيات، وبخاصة أمثالك!
    وصعد إلى غرفته كمن يفر من قبضة أفعى، فطرق سمعه صوتها الغاضب من خلفه وهي تقول:
    - أهذا هو حسن الخلق الذي علمك إياه الإسلام!!
    وقعت كلماتها كالصاعقة على رأسه وهو يتذكر كلام والده: " لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم فظا ولا غليظا بل كان سهلا لينا.."، وبدأت نفسه تلومه:
    - قد تكون ريحانة محقة!!..هل أخطأت فعلا في كلامي معها!! هل كنت أخاطبها بالحكمة والموعظة الحسنة!! لا أظن ذلك..
    وتذكر توجيهات أمه له عندما استخف بولد سيء الطباع فنهته عن ذلك بقولها:
    - احمد لله الذي عافاك مما ابتلاه به من سوء الخلق، فالهداية نعمة من الله لا فضل لك بها، وإياك أن تظن نفسك أفضل من غيرك، فيبتليك الله.. وما عاب مسلم مسلم بذنب قط إلا ابتلاه الله بهذا الذنب..
    واقشعر جسد علاء:
    - الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، يارب سامحني واغفر لي وتب علي وعافني واعف عني، فلم أقصد الاستخفاف بريحانة..
    وشعر بشفقة كبيرة نحوها:
    - إنها مسكينة ويبدو أنها تشعر بفراغ كبير لا حد له، وأظنني كنت فظا معها بالفعل وآذيت مشاعرها .. ولكن ماذا عساي أن أفعل!! هل أمضي الليل في الحديث معها.. هل كان من المفروض علي فعل ذلك؟؟
    وشعر علاء بمدى جهله فما زال أمامه الكثير ليتعلمه، وتمنى في قرارة نفسه لو كانت معه أمه أو أبوه أو حتى الجد سعيد ليسأله ويستفتيه، ورددت خلجات نفسه:
    - علمني يا رب وفقهني في ديني فأنا عاجز ضعيف جاهل وحيد، لا علم لي إلا ما علمتني، وأعوذ بك أن يؤتى الإسلام من قبلي..
    استعد المسافرون لمواصلة الرحلة في الصباح الباكر، وهم علاء بصعود العربة حين جذبته ريحانة من كمه:
    - هل ترحل دون أن تسلم علي؟
    شعر علاء بأن هذه هي فرصته التي ساقها الله له للتكفير عما بدر منه من غلظة، فقال لها مستسمحا:
    - أرجو المعذرة على ما بدر مني ليلة أمس، و جزاكم الله خيرا على حسن الاستقبال..
    فابتسمت ريحانة بسعادة بالغة، وقد سرها اعتذاره قائلة:
    - لا بأس.. هكذا هم الأصدقاء دائما..
    وغمزته بعينها باسمة:
    - ألم نصبح أصدقاء؟
    لكن علاء أجابها بلهجة جادة رغم حذره خوفا من أن يزل لسانه بكلمة تؤذيها:
    - ومن قال ذلك!!
    فردت ريحانة وهي تحاول كبت غيظها:
    - ألم نتحدث البارحة سويا؟
    عندها قال علاء بذهول – وقد أدهشه منطقها الذي لم يفهمه بعد:
    - وماذا يعني هذا؟!
    فأجابته ريحانة بمرح:
    - يعني أننا أصبحنا أصدقاء!!

    ابتعدت ريحانة بمرح طفولي:
    - دعك من تلك الأفكار التي تملأ رأسك فستعاني كثيرا بسببها، استمتع بوقتك وحياتك فالحياة جميلة وأنت في مقتبل العمر، وأعتقد أنك ستصبح شابا وسيما في المستقبل، خذها نصيحة مني..
    وما لبثت أن انفجرت ضاحكة، وهي تحاول إخفاء حقيقة مشاعرها..
    سارت العربة أخيرا، وتنفس علاء الصعداء وهو يشعر بأنه مر بأصعب امتحان في حياته لم يكن متأكدا إن كان قد تجاوزه بنجاح أم لا، وجاءه صوت ريحانة وهي تهتف ملوحة بيدها:
    - لا تنس زيارتنا أيها الشيخ الجليل..

    رمى علاء رأسه على مسند المقعد الخلفي في العربة، يفكر في الأحداث السريعة التي مرت به خلال فترة وجيزة.. إقامته مع الجد سعيد، رعي الأغنام والحياة البسيطة في زهر الرمال، لقاؤه بالمعلم عامر وطيبته معه، المسئول اللطيف على حدود منطقة السهول، الأوقات الجميلة التي قضاها في مدينة سهل بصحبة سالم وحذيفة ويمان، اهتمام السيدة هدى به ولطفها معه.. وأخيرا النقود التي وجدها معه ليقيم ليلته في قصر الذهب.. حتى ريحانة؛ لم تكن سيئة إلى ذلك الحد الذي تصوره في البداية.. أخذت الصور تتلاحق أمام عينيه بسرعة، فأطلق نفسا عميقا:
    - أهو من قبيل الصدفة أن يسخر الله لي كل هؤلاء الناس الطيبين في طريقي، وينجيني من المآزق التي تعترضني!!
    وتراءت له صورة أمه وهي تعطف على المساكين، حتى أنها كانت توقظه أحيانا لترسله بطعام إلى محتاج رأته من نافذة المنزل، وتردد على مسامعه:
    - اصنع المعروف يا بني، يحفظك الله ويحفظ أهلك وأحباءك، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء..
    لم تكن أمه تصنع طعاما إلا وأطعمت منه جارا أو محتاجا ، وكم بعثت معه كسوة إلى بيت فقير لتكسو أطفاله، أو بمال تتصدق به على من ضاق حاله، كم فرجت من الكرب، وكم أسعدت من القلوب، لم ير أمه تنهر مسكينا، ولم يكن أبوه يرد سائلا قط، وترددت جملة السيد مروان في ذهنه: "بصلاح الآباء يحفظ الله الأبناء، من يعرف والديّ هذا الفتى لا يعجب من حفظ الله له"..
    ودمعت عينا علاء:
    - كم أنت رائعة يا أمي، وكم أنت رائع يا أبي، جزاكم الله عني خيرا، فكم أنا مدين لكما، "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه.."، "رب اغفر لي ولوالدي، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"..

    بدأت حدود منطقة الجبال تظهر للعيان، ولم يكن حالها بأحسن من حال الحدود في منطقة السهول، أو أي منطقة إسلامية أخرى في ذلك الزمان، وسرح علاء بخياله ودارت الأفكار في رأسه وهو يراقب الطريق، والعربة تخترقه بحوافر الخيول السريعة، وتضرب الأرض بقوة، فيجلجل صوتها المكان مثيرة الغبار من حولها، خاصة بعد أن نزل معظم المسافرين على محطات في الطريق، فخفت حمولتها، وتساءل علاء في نفسه:
    - هل كان ما حدثني به أبي عن الخلافة الإسلامية التي وحدت الشرق مع الغرب وهما؟؟ أيعقل أن تتفرق تلك الدولة العظيمة إلى هذه المناطق المتفرقة!!على أي أساس وضعت هذه الحدود و الفواصل بينها!!
    وتمنى أن يجد من يجيب عن أسئلته الكثيرة التي عجز عن فهمها، وشعر برهبة ما هو مقبل عليه من عالم جديد، رغم ثقته بالله، واطمئنانه لما عنده، فشرع في الصلاة وهو جالس على هيأته في العربة، فلم يكن لينسى وصية والده الأخيرة، قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
    " وجعلت قرة عيني في الصلاة"..

    لاحت مشارف مدينة رياح أخيرا، وتفرق من بقي من المسافرين، ووجد علاء نفسه وحيدا وسط مدينة كبيرة، بدأت تخلو من سكانها مع تزايد الأمطار وحلول الظلام، فبدأ سؤاله عن مدرسة النصر، ليقطع مسافة كبيرة على قدميه وسط البرد والمطر، دون أن يفقد ثقته بالله الهادي إلى سواء السبيل..

    ***


    شعر المدير بفخر واعتزاز كبيرين وهو يتابع قصة علاء- التي لا يحتاج العاقل معها إلى بديهة خاصة ليتبين صدقها- كما خالجته رقة لا حدود لها نحوه، حتى أصبح يتمنى قبوله في مدرسته من أعماق قلبه، لكن أمرا آخر حتم عليه الصرامة في شأنه..
    وابتسم ابتسامة أدخلت الطمأنينة على نفس علاء قائلا:
    - الحمد لله الذي أوصلك إلينا سالما يا بني، وإنني أرى أنك على استعداد لقبول أي اختبار يؤهلك للالتحاق بالمدرسة، فهل أنت مستعد لذلك؟
    رد علاء بنشوة وحماسة:
    - إنني على أتم الاستعداد لقبول أي اختبار وسأنجح حتما بإذن الله..
    تهلل وجه المدير بشرا وسعادة فقام من مكانه يصافح علاء الذي نهض بدوره وهو يشعر بسعادة غامرة لا حدود لها، وقد وضع كفه في كف المدير الذي خاطبه قائلا:
    - هكذا نريدك يا بني، كن على ثقة بالله، فهو عند ظن عبده به، وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء)، فلا تجعل ظنك بالله إلا حسنا، وتفاءل بالخير تجده، فهذا هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم..
    أما الآن فسيأخذك المشرف عاطف لمباشرة اختبارك الأول..
    ***

    في الحلقة القادمة.. سيباشر علاء اختباره الأول من أجل الالتحاق بالمدرسة، فما طبيعة هذا الاختبار؟ وهل سينجح علاء فيه؟

    تابعونا ولا تنسونا من صالح دعائكم (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    التعديل الأخير تم بواسطة st.lujin1 ; 06-14-2019 الساعة 07:41 PM

  15. #15
    ~¤ سبيستوني مبادر ¤~ الصورة الرمزية minatasko
    تاريخ التسجيل
    19 Dec 2015
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    563
    ساكون ان شاء الله من متابعيك


    كل الزهور تذبل الى الزهور المسقية بالامل



  16. #16
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    مرحبا يا سلام أخيرا سنرى إختبار علاء و صموده ف إجتيازه ^^

    أنتظر باقي حلقات و شكرآ للقصة فهي تزين كوكب مغمغ بجدارة ♡


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


  17. #17
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة minatasko مشاهدة المشاركة
    ساكون ان شاء الله من متابعيك


    اهلا بك.. ويسعدني الاستماع لرأيك أيضا ^^



    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    مرحبا يا سلام أخيرا سنرى إختبار علاء و صموده ف إجتيازه ^^

    أنتظر باقي حلقات و شكرآ للقصة فهي تزين كوكب مغمغ بجدارة ♡


    جزاك الله خيرا لاهتمامك وتفاعلك، وبارك الله فيك وفي كلماتك الطيبة المشجعة، هذا من ذوقك ^^


    الحلقة في الرد التالي إن شاء الله (:


    ______


    ملاحظة:

    أعزائي متابعي "مدرسة الفروسية" من خارج المنتدى؛ يمكنكم التفاعل مع أحداث الرواية واضافة تعليقاتكم هنا على هذا الموضوع؛ من خلال التسجيل في موقع سبيستون، وسأذكر لكم الطريقة كما وضحتها الأخت artimis بالصور، فجزاها الله خيرا (:



    أولا الذهاب إلى الصفحة الرئيسية للمنتدى و الضغط على أيقونة وردية ^^






    ثانيا ستختارون تسجيل جديد، ثم تقومون باختيار اسم دخول (باللغة الانجليزية) وكلمة مرور خاصة بكم، ثم تأكيد كلمة المرور، ثم يصبح بإمكانكم الدخول كما هو موضح في صورة ♡





    وأخيرا ستدخلون إلى الموضوع وتختارون إضافة رد ^^


    وبالتوفيق للجميع (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  18. #18
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة السابعة: الاختبار

    الحلقة السابعة: الاختبار


    بدت الشمس المتسللة من وسط الغيوم المتشابكة أشبه بخيوط حريرية، أزالت بلمستها الذهبية آثار المطر، لتساهم في نشر الدفء رغم برودة الجو وهي تحاول جاهدة إسدال الستار على فصل شتاء قارص يؤذن بالرحيل..

    دلف علاء برفقة عاطف إلى إسطبل كبير مستطيل الشكل به أكثر من عشر منافذ للتهوية، يقبع على جانبيه في المقدمة حجرات خاصة بالخيول، أما الجهة الخلفية فهي أشبه ما تكون بغرف واسعة تفصل بينها حواجز رصت في إحداها صناديق مختلفة، بدا علاء مشدوها؛ إذ كانت المرة الأولى التي يرى فيها إسطبلا بهذه الضخامة، حتى انتبه إلى فتى يكبره بقليل بدا منهمكا في تنظيف حصان مبقّع اللون.
    حياه عاطف مبتسما:
    - السلام عليكم، كيف الحال اليوم يا عدنان؟
    أدار عدنان وجهه إليهما مرحبا:
    - بخير و الحمد لله، فقد كان التحصين جيدا ضد العاصفة ولا أضرار تذكر بفضل الله، فمخزن الحبوب على ما يرام والخيول بصحة جيدة..
    اقترب عاطف من الحصان وربت عليه قائلا:
    - هذا جيد، الحمد لله..
    ثم التفت إلى عدنان:
    - بارك الله فيك يا بني، فقد قمت بعملك على أكمل وجه، أما الآن فإنك تستحق إجازة صغيرة مدفوعة الأجر..
    قالها وهو يلتفت إلى علاء متابعا:
    - فسيقوم علاء من الغد برعاية الخيول بدلا منك..
    ثم خاطب علاء موضحا:
    - سيريك عدنان كيفية رعاية الخيول وتنظيفها فانتبه جيدا لما سيقوله، لأنك ستكون من الغد بمفردك..
    علت دهشة خفيفة وجه عدنان، فأسرع عاطف يجيب عن تساؤله الذي لم يبح به:
    - أعلم أن فترة اختبارات القبول قد انتهت، ولكن هذه حالة خاصة، وقد أخبرت السيد رافع..
    فابتسم عدنان :
    - فهمت..
    أشار عاطف إلى أحد الزوايا الخلفية في الإسطبل موجها حديثه لعلاء:
    - يوجد قش هنا لتنام عليه، وسيعطيك عدنان غطاء يدفئك، أما الطعام فسيأتيك في موعده، ولا تنس أن وقت عملك في الإسطبل سيبدأ من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة العشاء..
    لكن علاء استوقفه قبل أن يهم بالخروج:
    - وماذا عن الصلاة يا عمي؟ ألا يوجد مسجد قريب من هنا!
    فابتسم عاطف وقد لمعت عيناه:
    - بلى، هناك جامع الفتح وسيأخذك عدنان إليه عندما تحين صلاة الظهر، وهكذا تكون فترات استراحتك هي أوقات الصلاة المكتوبة، التي ستؤديها في الجامع بالإضافة إلى الوقت الذي يأتيك فيه الطعام..
    ثم خرج وهو يقول:
    - وفقكم الله..
    لم يبرح علاء مكانه، إذ لم يخطر بباله قط أن اختباره سيكون بهذه الطريقة، و لم تخف على عدنان ملامح الدهشة التي كست وجهه، فابتسم معرفا:
    - هذا إسطبل الخيول الخاصة بالتدريب واختبارات الارتقاء الأولى، و كما ترى فجميع الخيول هنا عربية أصيلة من أنقى السلالات وأفضلها، وقد تجاوزت سنواتها الخمس من عمرها والتي قضتها في تدريب يومي، لذا لن تجد صعوبة في التعامل معها، وهي في الغالب ذات مزاج جيد، إذ لا يوجد ما يثير استفزازها هنا في العادة..
    بدا عدنان مستمتعا وهو يعرف بالخيول وكأنها أهله المقربون، في حين لم يكن علاء يعرف أصلا أن هناك فروقا بين الخيول، فالخيول خيول وهي بالنسبة له لا تعدو أن تكون مجرد نوع من الحيوانات لا أكثر!!
    في حين تابع عدنان كلامه وهو يشير إلى حصان يغلب على لونه السواد، أخذ يهز رأسه بشكل ملفت، من خلف بوابة حجرته الصغيرة:
    - بالطبع هناك استثناءات، فـ (حالك) حساس جدا وقد يثور لأتفه الأسباب، و لكنه ذكي و قوي و مطيع لمن يحسن معاملته..
    رمق علاء الحصان بنظرات فاحصة، وفي نظرته تساؤل واحد لا أكثر:
    - وماذا يعني هذا كله!!
    وتلاقت عيناه بعيني الحصان الذي أخذ يضرب بقدمه الأرض بقوة، فأسرع عدنان نحوه يربت على ظهره بحنان بالغ وهو يهمس له:
    - أعرف أنك محتج قليلا ولكن علاء فتى طيب وسيحسن معاملتك، ثق بي..
    أما علاء فقد فغر فاه دهشة لتزداد مع كلمات عدنان الموضحة:
    - حالك قلق قليلا، أرجو أن تهتم به فهو حساس كما أخبرتك، وأي فكرة سلبية تصدر منك عنه قد تؤثر فيه، لذا أرجوك كن حذرا..
    بلغت الدهشة ذروتها عند علاء حتى ألجمت فاه تماما؛ فلم يعد قادر على التعليق بأي كلمة ولا حتى التفكير بشيء، وشعر عدنان به فعلق قائلا:
    - قد يكون الموضوع غريبا عليك بعض الشيء، لكنك ستعتاده وسترى بنفسك كيف أن للخيول طبائع كالبشر، فاحرص على أن تكسبها إلى جانبك فهي تستحق ذلك منك، فهي ما جيء بها هنا للعب والتسلية، بل إن وراءها أهدافا عظيمة.. وتذكر أن "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم..
    التقط عدنان نفسا قبل أن يتابع باسما:
    - لقد روي أنه لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل، أفلا تحبها؟
    واكتفى علاء بقوله:
    - حقا!! صلى الله عليه وسلم..
    وفي تلك الأثناء أخذ ذلك الحصان الذي انشغل عدنان عن تنظيفه بالصهيل، فأسرع عدنان نحوه قائلا:
    - معك الحق أيها (الأبرش) تأخرت عليك وأرجو منك المعذرة..
    ثم أخذ يعصر خرقة (قطعة قماش مربعة) بيده بعد أن أدخلها في دلو الماء أمامه ليتابع تنظيف الأبرش، وهو يقول:
    - ليس هناك طريقة أفضل من غسل الحصان وتنظيفه للتعرف عليه..
    عندها انتبه علاء لنفسه فسلم بالأمر وبدأ يعي كل كلمة يقولها عدنان عن رعاية الخيول وقد شعر بارتياح كبير نحوه، فهو طيب القلب هادئ الطباع، لا يملك من يراه إلا أن يشعر باطمئنان عجيب نحوه. أمسك عدنان بفرشاة خاصة وبدأ بالتمشيط في اتجاه نمو شعر الحصان بالقرب من رأسه متجها إلى جسمه ومن ثم إلى أسفل السيقان وعلاء يراقبه بدقة أثناء قيامه بعمله. وأخيرا قال عدنان:
    - ها قد انتهيت منه، والآن جاء دورك في تنظيف الحصان التالي، هيا يا علاء أرني مهارتك..
    حمل عدنان دلو الماء و أغلق البوابة الصغيرة على الأبرش، لينتقل مع علاء إلى الحجرة المجاورة،والتي أطل منها حصان جميل بلونه المحمر ، بدا وديعا وهو يطل بعينيه الصافيتين من خلف البوابة الصغيرة استعدادا لتنظيفه، وبعد أن ناول عدنان علاء الخرقة قال معرفا:
    - هذا (ورد) ستحبه بالتأكيد فهو يمتاز بهدوئه وطيبته، وسيكون من المناسب أن تبدأ تدريبك الأول معه، ولكن سأنزل السرج أولا، فقد تركناه مسرجا ليلة العاصفة تحسبا للطوارئ، رغم أن هذا ليس من اختصاصه، فخيول الركوب والعربات ونقل الأمتعة في الإسطبل الآخر..
    ثم ابتسم معلقا:
    - إنه طيب جدا كما قلت لك ويحب المساعدة، لذا فهو أفضل من نفكر فيه في الحالات الطارئة..
    كان علاء يستمع بصمت، وقد بدأ يعتاد بالفعل على هذا النوع من الحديث، إنها فرصة جديدة أتيحت له للتعرف على عالم جديد، عالم الخيول وأسرارها التي ما كانت تخطر بباله قط!
    تابع عدنان كلامه وهو يقوم بعملية فك السرج وانزاله:
    - معظم الخيول تحب أن يقوم أحد بتنظيفها، لكن بعضها بها أماكن حساسة، لذا انتبه عندما تقوم بتنظيفها، وراقب ضربات الأذن التي تخبرك بعدم لمس هذه المناطق، وإلا توقّع أن تركلك عند لمسها..
    أومأ علاء رأسه متفهما في حين تابع عدنان قائلا:
    - للسلامة حاول دائما أن لا تقف خلف أي حصان لا تعرفه؛ حتى لا يركلك، فقد تستفزه دون أن تدري فتعرض نفسك للخطر..
    انتهى عدنان من انزال السرج عن ظهر الحصان بهدوء وتأن متعمد حتى يلاحظه علاء، ثم أشار إليه أن يبدأ التنظيف. عصر علاء الخرقة بعد أن فركها بالماء داخل الدلو وبدأ يدلك جسم الحصان، فابتسم عدنان قائلا:
    - قم بالتدليك بقوة أكبر يا علاء، ضع كل وزن جسمك في كل حركة تدليك، وإن وجدت قطع طين فأزلها باستخدام أصابعك..
    أبدى علاء قابلية جيدة للتعلم وهو يطبق نصائح عدنان وإرشاداته المتوالية بشأن تنظيف الخيول والاهتمام بها، حتى أنهى تنظيف حصانه الأول بنجاح، ورغم الجهد الذي بذله، إلا أن النتيجة المرضية التي حصل عليها في مهمته الأولى جعلته ينسى تعبه، وهو يستمع إلى كلمات إطراء عدنان له:
    - أستطيع أن أتركك مع الخيول الآن يا علاء وأنا مطمئن البال، فقد أتقنت العمل تماما بسرعة، ما شاء الله..
    فابتسم علاء:
    - جزاك الله خيرا يا عدنان فلم تقصر معي أبدا..
    كان علاء قد أنهى تنظيف خمسة خيول بمساعدة عدنان عندما دخل مجموعة من الطلاب الإسطبل، بدوا لعلاء بحللهم البيضاء الخاصة المتوجة بعمائم رمادية تحيط بقلانس بيضاء ناصعة، وقد تدلت السيوف على جوانبهم، فوق أحزمة أحكم رباطها حول أوساطهم وتحمل لون العمائم نفسها، بالإضافة إلى أقواسهم المثبتة على أكتافهم، إلى جانب جعب السهام اللامعة، أشبه ما يكونون بفرسان عالم الخيال، الذين قرأ عنهم في القصص والأساطير القديمة، ولكم تاقت نفسه أن يصبح فارسا منهم..
    وبعد أن القوا التحية وقام عدنان بتعريفه إليهم، ابتسم وهو يتأملهم:
    - تبدون بكامل عدتكم اليوم، هل كل هذا من أجل استقبال علاء والترحيب به؟
    فبادره فتى وضيء الوجه، مرح المحيا بدا ظريفا لعلاء وهو يقول مصافحا اياه:
    - ادعى حسام و يشرفنا استقبالك بكامل حلتنا يا علاء..
    ثم التفت إلى عدنان قائلا:
    - هذا يعني أنك نسيت موعد اختبار الارتقاء إلى مرتبة مقدام! فكيف وعدتنا إذن بأنك ستدعو لنا بالتوفيق فيه!!
    فأسرع عدنان يتدارك الموقف قائلا:
    - لم أنس ذلك بالطبع، الموعد بعد صلاة الظهر، لكنني لم أربط هيأتكم هذه بالاستعداد للاختبار، هذا كل ما في الأمر!
    فأومأ حسام متأملا وهو يتظاهر بتفهم الموضوع:
    - في هذه الحالة فقط يسرنا أن نعلمك بأننا قبلنا عذرك يا سيد عدنان..
    أطلق الجميع ضحكة خفيفة ثم أشار عدنان إلى أحدهم موجها حديثه لعلاء:
    - طلال كامل، من المستوى السادس، أمهر راكب خيل والأول على المدرسة بلا منازع..
    علت حمرة خفيفة وجه طلال:
    - لا تبالغ كثيرا يا عدنان!
    ثم مد يده مصافحا علاء:
    - أهلا بك في مدرستنا ونحن بانتظار أن نراك بيننا قريبا..
    رد علاء مبتسما:
    - إن شاء الله..
    ثم صافح فتى عريض المنكبين بدا أقواهم بنية عرفه عدنان بقوله:
    - زيد ابن الشيخ عبد الرحيم إمام جامع الفتح..
    ومن ثم تعرّف بمعاذ الذي قال له:
    - نستبشر خيرا برؤيتك يا علاء فلا تنسنا من الدعاء أيضا..
    وبعد أن خرجوا وهم يصطحبون أحصنتهم، وقد لفت نظر علاء أن حسام قد اصطحب ورد في حين سار حالك مع زيد، قال عدنان:
    - إنهم من طلبة المستوى السادس وقد أُهلوا لاجتياز اختبار الارتقاء لمرتبة مقدام.
    علت مسحة استفهام وجه علاء، بعد أن سمع العديد من الكلمات التي أثارت فضوله، فتساءل أخيرا:
    - ما الذي يعنيه اختبار الارتقاء هذا يا عدنان؟
    فأجابه عدنان بإيجاز:
    - هناك عدة مراتب للفروسية، لكل مرتبة عمامة تميزها و مهارات خاصة بها إذا أتقنها الفارس، يستعد لاختبار الارتقاء للمرتبة التالية وهكذا، حتى يجتاز جميع المراتب بنجاح على مدار المراحل الدراسية المختلفة..
    لم يكد عدنان يتم كلامه حتى ارتفع صوت أذان الظهر، فقال عدنان:
    - لقد مر الوقت سريعا، سنعود بسرعة بعد الصلاة إن شاء الله لإكمال العمل، فما زال أمامنا الكثير منه لهذا اليوم..
    اصطحب عدنان علاء إلى بناء مميز مجاور لإسطبلات الخيول، معرفا:
    - هنا تجد المياه النظيفة باستمرار للوضوء والاغتسال، وهاني يقوم بذلك على أكمل وجه ما شاء الله..
    وأشار إلى شاب يافع يقطر الماء من وجهه ويديه وهو يستعد للذهاب الى الجامع، كما أشار إلى رجلين آخرين في طريقهما إلى الجامع أيضا:
    - هذان من سائسي الخيول في المدرسة، وذلك السيد رافع المشرف العام على إسطبلات الخيول ومخازن الحبوب..
    عندها استدرك علاء قائلا:
    - تقصد الرجل الذي أخبرك المشرف عاطف أنه حدثه بالأمر..
    ابتسم عدنان موافقا:
    - اجل، أنت شديد الملاحظة يا علاء، ما شاء الله..
    ثم تابع قائلا:
    - الحمد لله جميع العاملين في هذه المدرسة أناس رائعون ومتعاونون مخلصون..
    فابتسم علاء:
    - الحمد لله هذا ما بدا لي أيضا، ولكن قل لي يا عدنان ، بما أنني شديد الملاحظة على رأيك، كأنك ذكرت أن هناك أكثر من إسطبل في المدرسة؟
    فابتسم عدنان:
    - بالطبع يا علاء..
    والتفت إلى الوراء مشيرا بيده إليها، متابعا:
    - فكما رأيت الإسطبل الذي أعمل فيه لا يتجاوز عدد الخيول فيه العشرين، وهذا عدد قليل بالنسبة لمدرسة فروسية كبيرة..
    بدا جامع الفتح ببنائه الأبيض الشامخ علما معروفا، يوازي بناء مدرسة النصر المميز، أجال علاء بصره في المكان حوله يتأمله فقد كانت فرصته ليتعرفه بشكل أكبر. كانت إسطبلات الخيول ومخازن الحبوب والحشائش تقع قرب بناء المدرسة على جانبها الأيسر، أما الواجهة الأمامية فهي أشبه بحديقة غناء، زُرعت فيها الشجيرات والأزهار والنباتات المختلفة وبضعة أشجار متاخمة ربضت كحارس أمين، وقرب المدخل الرئيس الكبير تقف عربات خاصة بالمدرسة تجرها الخيول. كانت المدرسة تشرف على المكان حيث تحتل التل المطل على سهول خضراء جميلة، يقيم فيها جامع الفتح المقابل للواجهة الأمامية للمدرسة، في حين تناثرت بعض المنازل هنا وهناك حيث امتاز المكان بهدوئه لبعده عن مركز المدينة وازدحامها . بدا الطريق ممهدا بشكل جميل رغم برك الماء المتناثرة إثر عاصفة الأمس، فلم تفلح شمس الظهيرة الباهتة بتجفيفها حتى تلك اللحظة، وإن ساهمت بتدفئة نسائم الهواء الباردة بشكل أفضل.
    انتهت صلاة الظهر وتعرف علاء إلى عدد لا بأس به من العاملين في المدرسة، منهم العم سامي البستاني وعدد من المدرسين والمدربين الذين أشار لهم عدنان معرفا بهم في طريق العودة من الجامع..
    أشار عدنان إلى ساحة رُبطت بها الخيول إلى جانب الجامع قائلا:
    - ها هي أحصنة الطلاب تتأهب للإختبار بعد الصلاة أيضا..
    لم يفت علاء ملاحظة خلو ساحة المدرسة من الطلبة، فتساءل بقوله:
    - أليس غريبا أن لا نرى الطلاب وهم يتدربون في ساحة المدرسة يا عدنان؟ أين يتدربون إذن؟
    فوضح عدنان مجيبا وهو يشير بيده إلى الجانب الآخر من الساحة الكبيرة للمدرسة:
    - ساحة المدرسة عظيمة الاتساع كما ترى يا علاء وهي تمتد لمسافات كبيرة من كل الجهات، وبخاصة من الجهة الخلفية حيث تمتد لتشمل جزءا من سهل مجاور أعد خصيصا للسباق بالإضافة إلى منطقة القفز عن الحواجز وتخطي العقبات ولن تستطيع رؤيته من هنا وكذلك الجانب الأيمن، وهو يحوي قسما ممهدا للمبارزة وآخر للرماية ومسبحا ضخما للسباحة بالإضافة إلى قسم التدريب على ممارسة الحركات القتالية والمصارعة وممارسة التمارين المختلفة التي تقوي الأجسام وتنشط العقول، لذا لن تستطيع رؤية ذلك كله في الساحة الأمامية، هذا عوضا عن الطلبة الذين يتلقون الدروس النظرية في غرف الدراسة داخل مبنى المدرسة.
    شعر علاء بشوق كبير لخوض غمار ما سمعه عن المدرسة من عدنان، لكن الطريق ما زالت أمامه طويلة وعليه أن يتحلى بالصبر الجميل.
    شمر عدنان عن ساعديه وهو يملأ صناديق التبن قائلا:
    - سنحاول انجاز أعمالنا بسرعة قبل أن يعودوا من اختبار الارتقاء، فستكون لدينا مهمات أخرى جديدة..
    ففعل علاء مثله متحمسا:
    - هيا بنا..
    وبعد أن انتهيا من ملء جميع الصناديق بالتبن والحشائش من مخزن الحبوب، وملء الدلاء بالماء من بئر المدرسة، قاما بتنظيف الحظيرة من الروث وترتيب مخزن السروج، بعد أن نظفا الموجود منها، وأخيرا قال عدنان:
    - سنقوم بتقديم وجبة غداء دسمة للخيول العائدة من الاختبار، فستكون قد بذلت أشغالا شاقة، علما بأننا نقدم الطعام مرتين يوميا لها على الأقل عند الصباح مرة وثانية عند المساء، كما أننا نأخذ بعين الاعتبار أن يكون تقديم الطعام قبل موعد التدريب بوقت كاف حتى لا تصاب بتوعك صحي، وتذكر أن تقديم الماء يكون دائما قبل الطعام.
    أومأ علاء برأسه إشارة إلى استيعابه ما عليه القيام به، ثم استدرك قائلا:
    - هل استطيع تدوين النقاط الرئيسة التي أخبرتني بها على ورقة، فسأكون من الغد بمفردي إن شاء الله وأخشى نسيان إحداها!
    فرد عدنان وهو يخرج رزمة أوراق ملفوفة من جيبه ويتناول منها ورقة قدمها لعلاء مع قلم قائلا:
    - حسنا فعلت يا علاء، فهذه نصيحة أمي لي..
    تناول علاء الورقة والقلم شاكرا، وهو يكتب مرددا:
    - تنظيف الخيول والسروج وترتيبها، تقديم الطعام مرتين يوميا، ازالة الروث وترتيب الحظيرة، ملء دلاء الماء وصناديق التبن..
    ثم التفت الى عدنان متسائلا:
    - وماذا أيضا؟
    فأجابه عدنان:
    - هذا جيد لقد كتبت معظم النقاط ولا تنس الاطمئنان على الخيول وضبط أرديتها أيضا حتى لا تصاب بالبرد، فما زلنا على نهاية فصل الشتاء، كما لا تنس تجهيزها للخروج في الصباح، والآن هيا لنتاول طعام الغداء..
    وبعد أن تناولا شطائر لذيذة- أعدها طباخ المدرسة- تحت شجرة كبيرة أمام الإسطبل، جلسا يتحدثان قليلا، فما زال أمامهما بعض الوقت قبل عودة الخيول، وأخيرا قال علاء:
    - اعذرني على سؤالي يا عدنان، وأرجو أن لا أسبب لك حرجا..
    وأمام تردد علاء قال عدنان مشجعا:
    -اسأل ما بدا لك يا صديقي فإما أن أجيبك أو لا أرد وتنتهي المشكلة..
    أطرق علاء خجلا من فضوله:
    - حسنا، في الحقيقة إنني أتساءل.. ألا تذهب إلى المدرسة؟
    ورغم طبيعة السؤال القاسية، إلا أن عدنان تلقاه بهدوء عجيب مجيبا بابتسامة مطمئنة واثقة:
    - الحمد لله على كل حال، صحيح أنه لم يتسن لي الذهاب إليها بعد أن جئت بحثا عن عمل لمساعدة أبي إلا إنني راض بقضاء الله وقدره، وهذه من أعظم النعم التي يمن الله بها على عباده، ومن لطف الله بنا أن يسر لي العمل في هذه المدرسة، بعد أن كاد اليأس أن يقتلنا، وأسأنا الظن بالمسلمين بعد تلك المحنة القاسية، التي فقدنا على أثرها كل ما نملك..
    ولاحت أمامه صورة والده وهو يخاطب أمه بغضب:
    - لقد خسرنا الصفقة بناء على نصائحك ولو قبلت الذهاب إلى سومار منذ زمن لكانت حياتنا أفضل ولم نمر بورطة كهذه من أجل إصرارك على البقاء وسط المسلمين الذين لا يرجى منهم خير!! أنظري إلى السيد جاك إنه أفضل منهم ألف مرة..
    فتقاطعه أمه بقولها:
    - اتق الله يا رجل، ولا تجمع علينا المصائب بكلامك، فهذا ابتلاء من الله، ولست أنا المسؤولة عما حدث لك، فهذا قدر الله، وما شاء فعل..
    ويعلو الشجار مرة أخرى..
    وابتسم عدنان في تأملاته:
    - لكنه تغير الآن كثيرا بفضل الله..
    فرمقه علاء بنظرات تعجب:
    - بم تفكر يا صديقي؟؟
    أفاق عدنان من شروده:
    - مرت بخاطري أفكار.. لا عليك.. فقد سرحت قليلا..
    ثم ابتسم:
    - الحمد لله إنني سعيد جدا بمهنتي؛ فالخيل رفيقتي، وحسبي أن الخير معقود في نواصيها إلى يوم القيامة كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم إنني لن أجد عملا أفضل ومعاملة أحسن في أي مكان آخر، فلله الحمد والمنة..
    كاد علاء أن يقول له: ألا تود أن تصبح فارسا، لكنه آثر الصمت أما عدنان فقد علم بما يدور بخلده بطريقته فاستدرك منبها:
    - اسمعني يا علاء.. إذا كنت تتوقع من الجميع أن يصبحوا فرسانا فمن سيقوم بأداء الأعمال الأخرى؟؟ ألم يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كل واحد منا على ثغرة!!
    أطبق صمت عليهما، بدا من خلاله أن كلام عدنان أكبر من أن يفهمه علاء للتو، إلا أنه ترك أثرا عميقا في نفسه، وقد أدرك أنه لا زال أمامه الكثير ليتعلمه في هذه الحياة. ولم يقطع ذلك الصمت إلا أصوات العائدين من اختبار الارتقاء وهم يصطحبون الخيول المتعبة مثلهم، أسرع حسام قائلا:
    - وصلتنا دعواتك يا عدنان بحمد الله فجزاك الله عنا خيرا، كان أداؤنا متميزا لا سيما صديقنا طلال، ما شاء الله..
    أطرق طلال قائلا:
    - لا تستبق الأحداث فغداً تعلن النتائج إن شاء الله..
    تهلل وجه عدنان مستبشرا:
    - نحن نتفاءل بالخير دائما..


    ******

    كيف سيباشر علاء اختباره الأول وحده مع الخيول؟ وهل ستتقبل الخيول وجوده بينهم؟؟ وإلى متى سيبقى معهم؟!

    هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله، فـ تابعونا (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



  19. #19
    ~¤ سبيستوني صادق ¤~ الصورة الرمزية syury
    تاريخ التسجيل
    08 Oct 2016
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    4,488
    متآبعة لكل حلقة ^^
    بانتظآر الحلقات القآدمة بكل شوق



  20. #20
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,077
    مرحبا ما كنت متوقعة أن إختبار علاء أول هو عمل ف الإسطبل ^^

    لكنه عمل ممتع كما أن طلاب ليسو قساة فقد رحبو به جيداً بإنتظار **


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥


المواضيع المتشابهه

  1. هدية العيد من "مدرسة الفروسية" (:
    بواسطة alfurussiah في المنتدى مغامرات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-10-2019, 03:38 PM
  2. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى تاريخ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-08-2015, 08:45 PM
  3. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى أكشن
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 08-08-2015, 03:06 AM
  4. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى زمردة
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 08-06-2015, 09:20 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-20-2012, 03:56 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •