يمتلئ التاريخ الإنساني بالكثير من ضحايا سوء الفهم وسيطرة العادات والتقاليد، لكننا قد نفهم مثل هذه الأحداث بما تقتضيه طبائع الأمور ولأنها في النهاية أمورًا اجتماعية. أما أن يكون هؤلاء الضحايا من الأطباء والعلماء الذين أرادوا إنقاذ أكبر عدد ممكن من البشر من عدو مخيف وخفي اسمه الجهل؛ فهذا مما يعجب له العقل.ويكفي أن تعلم عزيزي القارئ أنه في هذه اللحظة التي توصي فيها منظمة الصحة العالمية وجميع الهيئات الطبية بغسل اليدين بالماء والصابون جيدًا للوقاية من فيروس «كورونا»، والتأكيد على أن غسل اليدين أحد أهم الأسلحة التي يمتلكها البشر حاليًا لمكافحة الوباء؛ أن غسل اليدين لم يكن أمرًا بديهيًا أو مقبولًا خلال القرن التاسع عشر في أوروبا، بل بلغ الأمر إلى حد محاربة الطبيب الذي أوضح مدى أهمية غسل اليدين وأثرها على الصحة العامة.في هذا التقرير نحدثكم عن أطباء وعلماء وقف المجتمع أو الدين أمام نظرياتهم التي غيرت العالم، ومنهم الطبيب الذي منح العالم سلاحًا أوليًا لمحاربة فيروس «كورونا».1. أجناتس سيملفيس.. الذي أنقذ العالم بكلمتين: «اغسل يديك»
كان لطبيب التوليد المجري أجناتس سيملفيس، والذي كان يعمل في ذاك الوقت بمستشفى فيينا العام، الفضل في التنبيه ولفت النظر لأهمية غسل اليدين على الصحة العامة.ففي مستشفى فيينا العام الذي عمل فيه سيملفيس كان هناك قسمان للتوليد، واحد يشرف عليه الأطباء، والآخر يتولى أمر إدارته مجموعة من الممرضات. سيملفيس والذي كان يعمل في قسم التوليد التابع للأطباء لاحظ أن الأمهات يموتن جراء حمى النفاس في القسم الخاص بالأطباء أكثر من القسم الذي تُشرف عليه مجموعة الممرضات (الدايات)، وهذا أثار فضول سيملفيس، وقرر اكتشاف السبب.
2. لويس باستور وأطباء ضد البسترة
تحرص شركات الألبان على التنويه في دعاياتها أن منتجها من الحليب مُبستر، وذلك لأن البسترة تقتل الجراثيم الموجودة في الحليب وتمنع نقل الأمراض لمن يشربه. هذا الأمر الذي صار مسلمًا به ويعرفه الكثير من الناس، لكنه لم يكن مُسلمًا به حتى عام 1850، عندما تدخل لويس باستور الذي غيرت نظريته «جرثومية الأمراض»، الطب الحديث.
لويس باستور الكيمائي الفرنسي، واحدًا من أهم مؤسسين علم الأحياء الدقيقة، وكان له دورًا مُهمًا في تطوير الأبحاث الخاصة بأسباب المرض وسُبل الوقاية منه، وكان لاكتشافاته الفضل في تصنيع لقاحات مضادة للجمرة الخبيثة وداء الكلب، ويعود الفضل إليه في اكتشاف البسترة، إذ أكد كان اكتشاف لويس أن الأمراض تنتقل عن طريق الجراثيم. هذه المعلومة التي قد تبدو لك الآن بديهية، تصدى لها أطباء آنذاك واتحدوا ضدها فيما يُعرف عالميًا في مجال الطب باسم «إنكار نظرية جرثومية الأمراض».كان الكيميائي الفرنسي أنطوان بيشامب واحد من أشد المعارضين لنظرية جرثومية المرض، حتى أنه كتب أطروحة عرفت باسم نظرية الأمراض التعددية، والتي ترجح أن الجراثيم تنجذب للأجسام المريضة بعد إصابتها للمرض، ولكنها لا تسبب المرض نفسه، وظل الصراع العلمي دائر، والهجوم على باستور لا يتوقف حتى أثبتت نظريته صحتها في الوقاية من أمراض عديدة.3. جاليليو جاليلي.. قال إن الأرض تدور فحُبس في منزله
حتى أوائل القرن السابع عشر، كانت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تؤمن بمركزية الأرض وفق ما ذكر في تفاسير نصوص الإنجيل. وحسب آراء بطليموس فإن الأرض هي المركز وكل الأجرام السماوية تدور حولها، ولكن تلك النظرية كانت على وشك أن تُهدم على يد واحد من أهم علماء الفيزياء الذين عرفهم التاريخ، جاليليو جاليلي. وذلك بعد أن طوّر تليسكوب استطاع من خلاله إثبات مركزية الشمس، وأن الأرض تدور حولها، وهُنا بدأ الصراع الذي استمر طويلًا بين جاليليو والكنيسة الكاثوليكية، صراع العلم والدين.«ولكنها تدور»؛ هذا ما ظل جاليليو يردده مؤكدًا أن الأرض تدور حول الشمس. الأمر الذي كان بمثابة جنون وهرطقة في ذاك الوقت. والهرطقة في القرن السابع عشر في المسيحية كانت عقوبتها قاسية وأحيانًا سادية. وعندما رفض جاليليو الرجوع عن كلامه حكموا عليه بالحبس في منزله بقية حياته، وتحت الضغوط التي تعرض لها من الكنيسة خلال فترة سجنه في المنزل، اضطر أن يغير آراءه حتى يتركوه وشأنه.