تنبيه هام..
هذه الحلقة مختلفة قليلا عن الرواية الاصلية، إذ تم تعديلها لتناسب منتدى سبيستون
وشكرا لتفهمكم
الحلقة الثانية والعشرون: مدرسة البنات
أَعلن وقت الاستراحة في مدرسة النور للبنات، وتحلقت الفتيات حول ليانا ابنة المحامي الداعي إلى السفور والكاتب المتحرر المشهور (نديم السامر)، يستمعن لها بعيون حالمة وهي تحدثهن عن الحفلة التي أقاموها في منزلهم ليلة أمس..
ثم تساءلت إحداهن غير مصدقة:
- هل حقا حضر المغني أيهم إلى منزلكم أيضا!! لا أصدق!! كيف استطعتم الوصول اليه ودعوته؟؟
فردت ليانا بغرور:
- وليس هذا فحسب؛ فقد تحدث معي باهتمام..
ثم أخرجت دفترها الصغير، وفتحت على إحدى صفحاته، تأكيدا لكلامها ورفعته أمام العيون المتسمرة على ما كتب فيه، في حين هتفت البنات بإعجاب شديد:
- إنه ختم المغنى ايهم بلا شك، كم أنت محظوظة!
فقالت ليانا بلا مبالاة:
- قلت لكم أن لوالدي علاقات كثيرة فلم تصدقنني..
ثم تابعت:
- لقد طلبت من والدي أن نستضيفه لإحياء حفلات الإفطار في رمضان، وسندعو إليها كبار العائلات أيضا..
فسألتها إحدى الفتيات بلهفة:
- وهل وافق والدك على ذلك؟
فنظرت إليها ليانا بفخر:
- ولم لا يوافق!! أبي لا يرفض لي طلبا..
لم تستطع راما التي كانت تشعر بالغيرة الشديدة من ليانا احتمال سماع المزيد، فقالت في محاولةٍ لصرف نظر الطالبات عن ليانا:
- هل قرأتن الجزء الجديد من لابورا، إنه جزء رائع جدا لقد اشتريت النسخة قبل يومين، ولم استطع تركها حتى أنهيتها..
فالتفتت إليها إحدى الطالبات:
- هل قرأتها حقا؟؟ لقد سمعت أختي الكبيرة وصديقاتها يتحدثن عنها، ولكنني وجدتها صعبة، حتى أن أختي تقول أنها ليست للصغار رغم أنني لست صغيرة..
سُرّت راما لتلك الملاحظة؛ فوجدتها فرصة لإبراز قدراتها أمام الأخريات، وهي تقول:
- ربما يكون أسلوبها صعباً، ولكن القصة مشوقة ثم إنني اعتدت على هذا المستوى من الكتابات..
عندها قالت ميسون- التي تحمست مع الرواية:
- لقد قرأت الجزء الثالث، ولم يتسن لي حتى الآن شراء الجزء الرابع فهو باهظ الثمن، فأخبريني ماذا حدث مع لابورا، بعد أن قابل تلك الفتاة الفقيرة الجميلة؟ لا شك أنه تزوجها أليس كذلك؟ ولكنني أشعر بالأسى من أجل سينالي، إنني متشوقة لمعرفة ما سيحدث..
فأجابتها راما وقد تفاعلت مع القصة:
- فاتك نصف عمرك، مشهد سينالي مع لابورا يفوق الوصف.. لا أريد أن أفوت عليك متعة الأحداث، سأعيرك الجزء إن شئت، لقد أحضرته معي..
قفزت ميسون طربا:
- هذا يعني أن لابورا عرف حقيقة سينالي.. شكرا لك راما..
فقالت سمر:
- سأستعيرها بعد ميسون يا راما هل تسمحين؟
فردت راما بابتسامة عريضة:
- طبعا يا عزيزتي بكل سرور..
في حين قالت ريم:
- هل قرأت قصة جوران ماركينا؟ أنها تُدرّس في الدراسة النظامية للمستوى السادس، حدثتني عنها أختي..
فأومأت راما رأسها إيجابا- وقد سرها تفاعل الفتيات معها- قائلة:
- لقد قرأت النسخة المختصرة منها إنها جميلة فعلا!
فأكدت ريم بانبهار:
- يا ليت جوران يأتي ويأخذني معه، كم أغبط ماركينا على تقديره لها..
عندها قالت ميسون:
- هل تتابعن قصة سوركالا المسلسلة؟
فهتفت الفتيات:
- طبعا وهل هناك أحد لا يتابعها!
فتابعت ميسون كلامها قائلة:
- ستصدر الحلقة الأخيرة منها غدا..
عندها هتفت راما:
- حقا، من الجيد أنك أخبرتني، سأمر على العم جاد لأحجز نسختي من اليوم..
فقالت ريم:
- هل رأيتن ما أروع سوركالا وهو يعامل سونار باحترام، رغم معاملتها القاسية له! لا شك أنه سيتزوجها بالنهاية، كم هي محظوظة..
فوافقتها ميسون:
- بلا شك! أرأيت كيف ساعدها على الخروج من محنتها، رغم أنها لم تكن تجيد الطبخ ولا الحياكة ولا أعمال المنزل..
فتنهدت ريم بحزن:
- كم أتمنى أن يفهمني أحد..
وفي تلك اللحظة أقبلت سارة وقد سمعت جزءا من حديثهن، فقالت معلقة:
- المهم أن أجد من يحترمني، الاحترام هو الأهم، وهذه كلها قصص خرافية يخدعنكم بها..
فرمقتها راما بابتسامة ماكرة:
- ولكنك تقرئينها أيضا يا سارة، لقد رأيتك!
فاحمرت وجنتا سارة، لكنها قالت بثقة:
- وماذا في ذلك! أنا أقرؤها لأرى ماذا يكتبون من سخافات.. ثم إنني أهتم أكثر بالفصول التي يواجه فيها الظلم، هذه مشاهد مقبولة..
فغمزتها ميسون:
- قولي الحقيقة، القصة جميلة وتعجبك، أليس كذلك؟
وتحلقت الفتيات حول سارة بانتظار سماع جوابها ورأيها في الموضوع، إذ كانت ذات شخصية قوية ومؤثرة ولها كلمتها عند معظم الفتيات، وقبل أن ترد عليها سارة بشيء تدخلت ليانا، إذ لم يعجبها انصراف البنات من حولها خاصة بعد مجيء سارة عدوتها اللدودة وقد وجدتها فرصة للتشفي منها، فقالت بكبر لا حدود له:
- أنتن جميعا تستمتعن بهذه القصص لأنكن محرومات، أما أنا فأعيشها على أرض الواقع.. الحب يملأ حياتي.. ورأيي محترم دائما.. وسأعيش بلا شك أجمل قصة لم تسمعن مثلها من قبل، بل وأروع من كل ما قد تقرأن عنه..
ورمقت سارة تحديدا بنظرات استخفاف، وهي تتابع:
- أما انتم يا أهل الدين فيكفيكم السمع والطاعة والعمل في المنزل..
وأطلقت ضحكة مستهزئة وهي تهم بالخروج من القاعة، لكن كلمات سارة استوقفتها قليلا وهي تسمعها تقول بثقة:
- ومن قال لك أن أهل الدين يفتقرون إلى الحب والاحترام؟؟
حملقت العيون في سارة بدهشة، في حين التفتت إليها ليانا بنظرات تحد:
- احضري لنا أمثلة غدا أيتها المتحذلقة.. سأكون بانتظارك..
وما إن خرجت، حتى أسرعت الفتيات نحو سارة يسألنها بلهفة:
- هل أنت واثقة مما تقولينه يا سارة؟ هل حقا هناك من أهل الدين من يعيش قصصاً جميلة كهذه؟
أطرقت سارة رأسها وهي تفكر بصمت قبل أن تقول:
- في الحقيقة لا أعرف!
أسقط في يد الفتيات وهن يشعرن بخيبة أمل كبيرة وقالت لها راما التي لا تطيق رؤية أي انتصار لليانا:
- لماذا وضعت نفسك في ذلك الموقف إذن! لقد أحرجتنا معك أيضا!!
لكن سارة أجابتها بهدوء:
- لم أقل أنه لا يوجد، وإنما قلت أنني لا أعرف!
تبادلت الفتيات نظرات استفهام وتعجب أما سارة فقد ابتسمت قائلة:
- اطمئنوا فأنا واثقة من وجودها وسأبحث عنها اليوم، إن شاء الله..
فسألتها ميسون:
- وما الذي يجعلك واثقة هكذا يا سارة؟
فغمزتها سارة بعينها مبتسمة:
- بالعقل والفطرة السليمة..
لم تكد سارة تزرع الأمل في قلوب الفتيات حتى اقتلعته سعاد- التي كانت صامتة طوال الوقت- من جذوره وهي تقول بنبرة حزينة:
- كلام فارغ.. أبي شيخ ومفتي و لا يوجد مثل هذا الكلام فلا تكابري يا سارة.. علينا أن نعترف.. كل شيء حرام .. وكل شيء في الجنة فقط..
وتنهدت بحسرة ويأس وهي تتابع قائلة:
- للأسف ليانا محقة فيما تقوله فنحن لا رأي لنا ولا احترام، لا أعرف متى سأموت وأذهب إلى الجنة.. هذا إن ذهبت إليها أصلا فالصبر صعب ويبدو أنها لا دنيا ولا آخرة كما تقول أختي!!
شعرت ميسون بتعاطف شديد معها فأسرعت تخفف عنها قائلة:
- على الأقل أنت تأتين إلى المدرسة وحالك أفضل من حال ابنة جارنا، لا يسمح لها والدها بالخروج من البيت مطلقا إلا لضرورة قصوى، والمجئ الى المدرسة ليست من ضمن هذه الضروريات كما يقول!
فقالت سعاد:
- ومن قال لك أنني التحقت بالمدرسة بسهولة، ولا أظن أبي سيسمح لي بالذهاب إلى مدرسة المستويات الخمس الثانية، و لولا تدخل أقاربنا لما خرجت من البيت أيضا، أقولها لكم بصراحة.. لو ترك لي الخيار لاخترت أن أكون مثل ليانا!
صعقت الفتيات مما سمعنه، فوالد سعاد الشيخ (سامع جهلان)؛ من أكبر مهاجمي والد ليانا نديم السامر، وقد أفتى بحرمة قراءة كتبه لما فيها من دعوة للتبرج والسفور وانحلال الأخلاق..
أما أشدهن دهشة فقد كانت ليانا، التي عادت لقاعة الدرس على حين غرة؛ لتسمع جملة سعاد الأخيرة، وكان هذا هو أسوأ شيء توقعته الفتيات في ذلك اليوم!!
ابتسمت ليانا وهي تشعر بنشوة الانتصار:
- من حسن الحظ أنني نسيت محفظة أقلامي لأعود اليكن يا عزيزاتي.. نسيت إخباركن أنكن مدعوات لحفل افطار في أول أيام رمضان..
ثم نظرت إلى سعاد وابتسمت لها قائلة:
- وأنت مدعوة كذلك يا عزيزتي، لا تقلقي.. والدي يبذل جهده من أجل إنقاذكن من البؤس الذي تعشن فيه، نعلم أن والدك أجبرك على ارتداء الحجاب منذ أن كنت في السابعة ولكن اطمئني، أطول طريق يبدأ بخطوة..
عندها تدخلت سارة وقالت بحزم:
- ما الذي تعنينه بقولك يا ليانا؟؟ الزمي حدودك ولا تتدخلي فيما لا يعنيك..
فالتفتت إليها ليانا وقالت باحتقار:
- بل أنت من يجب عليها أن لا تتدخل فيما لا يعنيها، بدلا من أن تشكرنني لأنني أريد لكن السعادة و أساعد أبي الذي يضحي من أجلكن..
وتابعت بحدة:
- لا تحاولي إقناعي بأنكن سعيدات في حياتكن فالجميع يعرف، ولا شيء يخفى على أحد..
لأول مرة شعرت سارة بأنها لا تملك ردا، فهي لم تكن سعيدة فعلا ولكنها واثقة تماما بأن ذلك ليس بسبب ما تدعيه ليانا ووالدها!
خرجت ليانا وهي تقول:
- لا تنسِ ما وعدتني به غدا..
وأطلقت ضحكة استهزاء مجلجلة..
لم تتمالك راما كتم غيظها مما سمعته، فقالت بعصبية:
- يا للمتعجرفة، لا أصدق كلمة واحدة مما تقوله! تشعرنا دائما بأنها أسعد!! من تظن نفسها!!!
فردت ريم بحسرة:
- بل صدقي، أختها الكبيرة كانت مع أختي في المستوى العاشر وتعرف عنهم الكثير..
و صمتت وهي تنظر بإشفاق إلى سعاد التي كانت تبكي وهي ترتجف خوفا :
- يا ويل ويلي لو عرف أبي بما حدث اليوم، ستكون النهاية وربما يطلق أمي لأنها شجعت على إرسالي للمدرسة..
ثم التفتت ريم إلى البقية- تاركة راما مع ميسون للتكفل بالقيام بواجب المواساة اللازمة نحو سعاد- وهمست بأسى:
- يا لها من مسكينة، من يتمنى أن يكون له والد مثلها! بسبب أن والدي محافظ قليلا أشعر بالاختناق من الظلم الذي أراه، في حين لا تجرؤ أمي على مخالفته وإلا هددها بالطلاق أو الزواج من أخرى!! فكيف بسعاد المسكينة! كم أشفق عليها، معها الحق في أن تحسد ليانا على حالها..
وأكدت سمر كلامها بقولها:
- أرأيت والد ليانا عندما حيانا ونحن عائدات للمنزل؟ إنه لطيف وعطوف جدا، ألم تلاحظي كيف استمع إلى ليانا باهتمام وهي تعرفه بنا، إنها محظوظة حقا بوالدها و بلا أدنى شك!!
فتابعت ريم:
- لقد رأيته أيضا ذات مرة- عندما كنت برفقة أمي في السوق- وهو يساعد زوجته على الصعود إلى العربة، بعد أن انتظرها بهدوء وهي تحادث صديقاتها.. كان رقيقا جدا في مشهد لم أتخيل رؤيته على أرض الواقع!
فتنهدت سمر:
- لا أعرف لماذا يقول أبي عنه إنه رجل سيء!
فأجابتها ريم:
- دائما يتكلمون عن الآخرين، ونسوا أن هؤلاء الذين يتكلمون عنهم ويحذرون الناس منهم-على الأقل- أحسن تعاملا وأرق طباعا وأكثر رفقا!
فتكلمت سارة أخيرا بعد أن أفاقت من ذهولها بما حدث من انقلاب في الموازين:
- هذا في الظاهر والله أعلم بالمخفي!
فقالت ريم:
- حتى لو كان كلامك صحيحا فأنا أريد نصف هذا الظاهر ولو في الظاهر.. يكفيني هذا، وبصراحة لن أعرف طعم السعادة إلا إذا كنت ولدا أو لا يكون أبي محافظا أو متدينا هذا هو الحل الوحيد..
عندها تذكرت سارة ما كانت تود إخبارهن به من قبل، فاستعادت رباطة جأشها وخاطبتهن بقولها:
- اسمعنني يا بنات، كفاكن سخفا، من قال لكن إن الدين هو السبب؟؟
فردت عليها ريم بقولها:
- التجربة خير برهان!
فقالت سارة وهي تستعيد ثقتها بنفسها من جديد، وقالت بلهجة قوية:
- كلا ما ترونه ليس هو الدين، والدين منه بريء، لقد حدثني أخي بما أخبرهم به المعلم أمين في مدرسة النصر..
بدأت الفتيات يستمعن إليها والاهتمام بادٍ على وجوههن وهي تتحدث عن كل ما أخبرها به حسان ليلة أمس، حتى سعاد توقفت عن البكاء؛ لتسمع ما لم تسمعه أو تعرفه طوال حياتها..
ختمت سارة كلامها بقولها:
- وقال إن الفارس المسلم الحق لن يكون كذلك إن لم يحسن معاملة البنات ويحترمهن! كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)..
فهتفت ريم بانفعال:
- هذه تشبه جملة جوران!
ثم قالت بنبرة حالمة:
- لو أن أبي ذلك الفارس لما أجبرني على تنظيف أحذية إخواني المتسخة كل يوم!
وقالت سمر:
- ليت أخي يصبح فارسا مسلما، على الأقل لقاسمني الحلوى الشهية التي يشتريها من مخصصاته الكثيرة ويأكلها وحده!
لكن سارة قاطعتهن بقولها:
- ألا تفكرن بغير هذه الأمنيات السخيفة!! يكفينا أن يكون لنا رأي محترم!
فتبادلت سمر وريم النظرات قبل أن تقول الأخيرة:
- ولكنك أنت نفسك لا تحترمين رأينا!!
فانتبهت سارة إلى نفسها ثم ضحكت:
- لم أنتبه إلى ذلك!! معكن الحق.. يبدو أنني أصبت بعدوى عالم الذكور!
وضحكت الفتيات، وقد عاودتهن روح الحماسة التي بذرتها فيهن سارة، في حين هي قائلة:
- لقد ذهبت إلى المكتبة، واستعرت عددا من الكتب.. انظرن..
واطّلعت الفتيات على الكتب التي وضعتها أمامهن، حتى سعاد قامت من مكانها لتلقي نظرة.. وأخيرا قالت ريم:
- إنها كتب إسلامية!! في السيرة النبوية وعن بنات الرسول- صلى الله عليه وسلم- وزوجاته وقصص الصحابيات.. هل ستجدين فيها قصصا عن الحب التي تحديت بها ليانا؟؟
فأجابت سارة:
- بالتأكيد يا عزيزتي، وسأمر أيضا على دار الوراقين في طريق عودتي إن شاء الله لإحضار المزيد من هذه المواضيع..
ثم قالت:
- هل تعلمون أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أحنى ظهره؛ ليساعد زوجته السيدة صفية- رضي الله عنها- لتركب دابتها!
شهقت ريم:
- حقا!! يعني مثل ما يفعل والد ليانا!! إذا لماذا يعيب عليه الرجال تصرفه هذا؟؟
فقالت سارة:
- بغض النظر عن ليانا ووالدها، لقد اكتشفت أن رجال الدين هؤلاء الذين نعاني منهم على النقيض تماما مما كان عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- لذلك عزمت على دراسة سيرته والاطلاع على ما كانت عليه أحوال النساء في عصره وقراءة سيرهن أيضا..
هل تتخيلن أن النساء كن يشاركن في بناء الدولة المسلمة بل وفي المعارك أيضا!! حتى أن الصحابية نسيبة بنت كعب كانت من القلة الذين صمدوا في معركة أحد، وهي تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم لدرجة أن قطعت يدها من أثر الجراح؟
فهتفت سمر:
- حقا!! ألهذه الدرجة؟؟ لا أصدق.. هذا مدهش!!
في حين قالت ريم:
- لا عجب، لو كنت مكانها لفعلت أكثر من ذلك..
فضحكت سارة:
- لا تبالغي يا ريم، والله أعلم بما سيكون!
لكن ريم ردت بثقة:
- أنا لا أبالغ، تخيلي لو أن رجلا جاء لينقذك من الظلم والإهانة والاستغلال، ويضع حدا لكل المتغطرسين والمتكبرين من الرجال، ما ذا كنت ستفعلين؟؟
سادت لحظة صمت تبادلت فيها كل واحدة مع نفسها أفكارا كثيرة..
سعاد التي شعرت أنها تسمع عن الرسول لأول مرة.. راما، التي لم تكن لتسمع هذا الكلام كله لولا غيرتها من ليانا ووقوفها إلى جانب أي شخص ضدها، ميسون.. ريم .. سمر .. جميعهن شعرن بأن آفاقا جديدة فتحت أمامهن لم يكن يعرفن عنها شيئا..
وهن يرددن.. صلى الله عليه وسلم..
ولم يقطع ذلك الصمت إلا صوت ريم وهي تقول:
- لقد قررت أن أصبح مثل السيدة نسيبة، وسأقرأ عنها كل شيء، إن شاء الله..
فقالت ميسون وقد خرجت من لحظات صمتها:
- رغم أنني أعرف قدرا كبيرا من السيرة وقصص الصحابة، إلا أنني أشعر وكأنها المرة الأولى التي انتبه فيها لهذه المعاني! لا أعرف لماذا لم نكن نسمعها على هذا النحو؟ سأحاول إعادة قراءتها بتمعن أكبر، وسأقتدي بأم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- فلطالما بهرتني بحكمتها ورجاحة عقلها وحنانها وعطفها، وهي تقف إلى جانب الرسول- صلى الله عليه وسلم- إنها قدوتي الأولى..
وقالت سمر:
- وأنا سأبحث لي عن قدوة منهن أيضا..
ووافقتها سعاد وراما ثم التفتن إلى سارة التي كانت تبتسم بصمت، وسألنها:
- ماذا عنك يا سارة؟
فابتسمت قائلة:
- سأكون مثل أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها- لأعلّم هؤلاء الرجال الدين على أصوله.. بإذن الله..
***
أثنى المدرب سعد على نضال، الذي أحرز جميع الأهداف المقررة ذلك اليوم من المرة الأولى، وقال له مشجعا:
- إذا تابعت على هذا النحو؛ فربما تسبق حسام وتعتلي المركز الأول في الرماية على مستوى المدرسة، بارك الله فيك..
ثم التفت نحو علاء، الذي كان يحرك ذراعه اليمنى بسطا وقبضا، بعد أن شعر بشد فيها إثر التدريب:
- لقد أحرزت تقدما مدهشا في فترة قصيرة يا علاء، أحسنت..
وأخيرا خاطب الجميع:
- كل عام وانتم بخير، فلا تنسوا المشاركة في تحري هلال شهر رمضان هذه الليلة، فهي فرصة لا تعوض..
لكن أصيل الذي انشغل فكره بموضوع آخر، فقد سأل المدرب سعد بتوجس:
- ألم تظهر بعد قائمة أسماء المرشحين لاختبار الارتقاء الثاني لمرتبة مقدام؟
فابتسم المدرب سعد:
- إنها معلقة في لائحة الأخبار أمام المكتبة..
حبس علاء أنفاسه وتسارعت نبضات قلبه بعد انتهاء تدريب الرماية وهو يتجه بسرعة مع رفاقه نحو القائمة التي أعلنت فيها أسماء المرشحين لخوض اختبار الارتقاء الثاني لمرتبة مقدام، وكم كانت خيبة أمله كبيرة وهو لا يرى اسمه بين الأسماء..
حسان نبيل نعمان
ياسر نبراس عبد الشكور
أصيل بلال إسماعيل
شعر به ياسر الذي وقف إلى جواره، فاقترب منه مواسيا:
- ما تزال أمامك فرصة أخرى هذا العام يا علاء..
أما أصيل، الذي كاد أن يطير من الفرح لرؤية اسمه، فقد تدارك نفسه أخيرا وهو ينتبه لخيبة أمل علاء الذي كان يمني نفسه بالترشح للاختبار هذه المرة، لكن حسان أسرع يشير إلى ما كتب في نهاية القائمة:
- انظر يا علاء هناك ملاحظة تقول أنه من الممكن أن يترشح آخرون قبل بداية الاختبار، الذي سيبدأ في الأسبوع الثالث من شهر رمضان، أي أنها ليست القائمة الأخيرة فلا تفقد الأمل..
فردد علاء بحزم:
- لعله خير..
فابتهج ياسر لذلك كثيرا وتشجع ليعرض على علاء ما كان يود إخباره به من الصباح:
- لقد أخبرت أبي بأنني سأدعوك إلى منزلنا اليوم فهل توافق؟ أرجوك لا ترفض دعوتي يا علاء، لقد أعددت لك مفاجأة..
كان ذلك آخر شيء يخطر ببال علاء في ذلك الوقت، وشعر بالحرج من رفض دعوة ياسر اللبقة، فقال:
- جزاك الله خيرا يا صديقي، لا تتعب نفسك معي..
لكن ياسر ألح عليه بقوله:
- هيا قل لي أنك ستأتي معي اليوم..
عندها تدخل أصيل قائلا:
- رغم أنني دعوتك قبله لكنني أنصحك بأن لا ترفض دعوة ياسر، فأنا لا أحب رؤيته مكسور الخاطر!
عندها قال ياسر معاتبا:
- ما هذا الذي تقوله يا أصيل؟ يكفيك سخرية!
لكن أصيل أسرع معتذرا:
- لم أقصد السخرية ولكنها الحقيقة! ثم من هذا الذي يجرؤ على السخرية منك يا صاحب القلب الطيب؟
فاحمر وجه ياسر ثم ابتسم:
- قل ما تريده.. لن أغضب منك..
فابتسم علاء:
- وأنا قبلت الدعوة، جزاك الله خيرا..
لم يكد علاء ينهي جملته حتى شعر بحرج المأزق الذي وضع نفسه فيه، فوالد ياسر ما هو إلا المعلم نبراس الذي لا يجرؤ على النظر في عينيه الحادتين، ولو كان المعلم أمين مثلا لما حمل هما ولكان الوضع مختلف برأيه.. ولم يخرجه من أفكاره تلك إلا صوت أصيل وهو يضربه على كتفه قائلا:
- أتمنى لك وقتا ممتعا في بيت المعلم نبراس..
ثم غمزه باسما:
- خذ الأمور ببساطة يا علاء واستمتع بوقتك..
وما هي إلا فترة بسيطة، حتى وجد علاء نفسه إلى جانب ياسر الذي جلس قرب والده وهو يسوق العربة، وقد بدا المعلم نبراس ألطف بكثير مما يبدو عليه في قاعة الدرس - رغم طبيعته الحازمة - مما أشعر علاء ببعض الارتياح، خاصة وهو يتأمل جمال الربيع في الطريق الذي يراه لأول مرة.. إذ أنه منذ أن اجتاز الاختبار، لم يبتعد عن حدود جامع الفتح المقابل للمدرسة..
***
عادت سارة إلى بيتها فرحة مسرورة وهي تقفز وتدندن كعادتها عندما تكون سعيدة، حتى أن كل من اعتاد رؤيتها في الطريق أصبح على علم بتقلبات مزاجها..
لمحها أصيل وهو عائد مع حسان من المدرسة، فقال له باسما:
- أليست تلك سارة؟؟ يبدو أن درس الأمس عدّل مزاجها بشكل كبير..
فنظر حسان إلى حيث أشار قائلا:
- رغم أنها ارتدت الحجاب قبل شهرين إلا أنها ما زالت تتصرف كالأطفال!! لا أفهم أختي هذه!! أحيانا كالكبار وأحيانا كالصغار..
ثم قال فجأة:
- ولكن غريب! يفترض أن دوامها المدرسي قد انتهى منذ فترة!!
لكنه استدرك ضاحكا:
- لا شك أنها كانت في دار الوراقين..
فابتسم أصيل وهو يقول بمكر:
- يا لك من انتهازي.. ولكن لا بأس؛ أنا صديقك العزيز فلم لا تطلب منها أن تقوم بعمل بحثي أيضا!
فنظر إليه حسان قائلا:
- ألا يمكنك أن تأخذ أي موضوع على محمل الجد!!
فضحك أصيل:
- ومن قال بأني غير جاد في هذا الموضوع!!
فرمقه حسان بنظرات ذات معنى، جعلت أصيل يسرع قائلا:
- قلت من قال لك؛ مجرد سؤال ولم أقل بأني جاد.. كنت أمزح يا أخي!!
فقال حسان:
- لا أعرف متى ستجد حلا لهذه المشكلة!!
فابتسم أصيل:
- ومن قال بأنها مشكلة!
ثم صافح حسان قبل أن يذهب إلى منزله، وهو يشد على يده باسما:
- خذ الأمور ببساطة يا عزيزي..
انتبهت سارة لوجود حسان قبل أن يفاجئها من الخلف، فالتفتت نحوه بسرعة هاتفة:
- مرحبا..
فجفل حسان قليلا قبل أن يضحك قائلا:
- يبدو أنه لا يمكنني منافستك أبدا!
فابتسمت سارة:
- طبعا..
فقال حسان باسما:
- أنصحك بعدم الغرور..
ثم استطرد قائلا:
- تبدين سعيدة اليوم، هل حدث جديد؟
فردت سارة ووجهها يتهلل بشرا:
- لقد أخبرت صديقاتي اليوم عن درس المعلم أمين، لم يصدقنني بالبداية وفوجئن بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قد أوصى بهن بهذا الشكل..
ثم التقطت نفسا قبل أن تتابع:
- تخيل!! اكتشفت أن أبي أحسن الموجود!!!
فكتم حسان ضحكة كادت أن تفلت منه، وتظاهر بالغضب قائلا:
- ما الذي تقصدينه!!
فأسرعت سارة مستدركة:
- لا تسِء فهمي يا أخي، أبي على الرأس والعين وأنا أحترمه ولا أنسى فضله ولكن.. لا أعرف كيف أشرح لك قصدي!!
فأومأ حسان برأسه متفهما:
- أفهمك يا أختي لا تقلقي..
وأخذت كلمات أخيه وسام تتردد في أذنيه:
"أنت يا أبي السبب فقد ساعدتهن على التمادي، تعال وانظر في كل مكان، لا تجرؤ أخت على أن تكلم أخاها بهذا الأسلوب عوضا عن أبيها!! أما أنت فقد فتحت لهن المجال بطيبتك!! كان عليك أن تكون أكثر حزما وصرامة مثل باقي الرجال!!!"
وتنهد حسان محدثا نفسه:
- أصبح من يقوم بأقل الواجب هذه الأيام يعد طيبا للغاية!! صدق المعلم أمين.. ستكون المواجهة.. كارثة!!!!
ثم سأل سارة- التي كانت منفعلة وهي تحدثه بما أخبرت به الفتيات:
- متى وجدتن الوقت لكل هذه الأحاديث؟
فأجابته سارة بابتسامة عريضة:
- من لطف الله بنا أن المعلمات ألغين درسين من دروس اليوم بسبب اجتماع خاص بهن..
فقال حسان:
- لذا قضيتن الوقت بالثرثرة!!أرجو أن لا تكوني قد بالغت في نقل الكلام! فنحن لا ينقصنا المشاكل!
فرمقته سارة بنظرات متعجبة:
- بالغت في ماذا!! ألم تقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تأخذ بيده الجارية فتذهب به إلى أي مكان تريده حتى تقضي حاجتها؟ وكان يستمع إلى رأي النساء؟ وأوصى بهن خيرا؟ وأخذ بمشورة زوجته؟ وكان يخصف نعله بنفسه رغم وجود نسائه وبناته؟ وكان...
وأخذت سارة تسرد عليه سلسلة طويلة من الأسئلة وهو يومئ برأسه:
- أجل.. أجل.. أجل..
فقالت سارة أخيرا:
- فإلى متى سنخفي هذه الحقائق أو نذكرها على استحياء؟؟؟ سترى يا أخي ماذا سيحدث بإذن الله، وسأتولى بنفسي إخبار البنات جميعهن بهذه الأمور إن شاء الله..
ثم هتفت بحماسة:
- (وقل جاء الحق وزهق الباطل)..
فأسرع حسان يهدئها قائلا- وهو يدلف بسرعة إلى باحة المنزل:
- حسنا حسنا فهمت.. ولكن اخفضي صوتك قليلا فنحن لم ندخل البيت بعد!
فضحكت سارة بمرح:
- هذه هي البداية فقط!
***
ترى.. هل ستدوم بهجة سارة؟ وهل ستفوز في هذا التحدي أمام ليانا؟؟
وما هو رأيكم بالنقاشات التي دارت بين البنات؟؟
وبعيدا عن هذا كله..
ماذا سيحصل مع علاء يا ترى؟ وهل سيترشح لاختبار الارتقاء؟
الكثير من الأحداث تنتظركم في "مدرسة الفروسية"
فـ تابعونا ولا تنسونا من صالح دعائكم (:
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم