سنكمل اليوم أحبائي ونبدأ بأول محور من محاور الذكاء العاطفي
أرجو أن تقرأوا بانتباه فهذه المرحلة هي الأساس في كل المراحل التالية والخطوات
تنطلق جهود التنمية الذاتية فى أيامنا الحالية من نقطة جوهرية هي التعرف على الذات والوعي بها، وهذه المهمة قد تبدو و لأول وهلة وكأنها من السهل الممتنع.
إذ إن كل واحد منا يظل يردد: إنه أدرى بنفسه، وأعلم بعلله ونقاط ضعفه، وهذا صحيح إلى حد ما..
لكن في كثير من الأحيان ينشغل الإنسان بما حوله ولا ينتبه إلى ذاته، يقيم الآخرين وينتقدهم قبل أن يبدأ بنفسه.
إذاً فما هو الوعي الذاتي؟؟
هو القدرة على فهم النفس و رصد الذات .
- يقول دانييل جولمان عن الإدراك الذاتي :
"إنه القدرة على معرفة المشاعر والأحاسيس فور حصولها فهو حجر الأساس للذكاء العاطفي".
- يقول ستيفن مؤلف كتاب العادات السبع لـأكثر الناس فعالية :
"إدراك الذات هي قدرتنا على أن نخرج من ذواتنا لكي نرى ونفحص أسلوبنا في التفكير ودوافعنا ، وخبراتنا ، ومبادئنا وأفعالنا وميولنا وعاداتنا، لنتمكن بعد ذلك من إصلاح سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها"
بالوعى الذاتى أنا أنشئ علاقة وثيقة مع نفسى قبل أن أطالبها بعلاقة جيدة مع الآخرين .
لابد أولاً ان أتعرف عليها ...فكلما تعرفت عليها أكثر كنت أكثر فهماً لها و لسلوكياتها و أفكارها و دوافعها و مشاعرها و قيمها .
و سأكون أكثر معرفة بمواطن ضعفها لتقويتها و مواطن القوة لتنميتها و استثمارها ، بل إنى سوف أحبها و سوف أبذل جهدا أكبر فى سبيل تطويرها و تنميتها و الأخذ بأيديها نحو الأفضل.
يقول الله جل و علا :" بل الإنسان على نفسه بصيرة* ولو ألقى معاذيره "
ويقول العلماء والنفسانيون أن الإدراك الذاتي هو أول طريق الصحة النفسية .
فأول الشفاء هو الإحساس بالمرض، و الشعور بالنقص أول مراحل الكمال.
ورُبّ إنسان قليل في معارفه، إلا أنه عميق الإخلاص، كثير التفتيش عن عيوبه، والاعتراف بتقصيره، هذا بلا شك أرقى من الذي رضي عن نفسه واغتر بها.
عندما أعرف نفسي جيداً سأكون أكثر قدرة على التعبير عنها و عن احتياجاتها و رغباتها ، و بالتالي سأساعد الآخرين في التعرف عليها و التعامل معها بناءً على معرفة تامة بها تبعاً لما أقوله أنا و ليس بناءً على ظنهم و تخميناتهم .
و هذا يوجد نوعا من التفاهم و يحسن من التواصل.
عندما أتعرف على نفسي جيداً فسأكون أكثر فهماً للآخرين و أكثر قدرة على فهم مشاعرهم و أفكارهم وقيمهم و دوافعهم بالمقارنة مع ذاتي.
و بالتالى أعرف مواطن الاتفاق و مواطن الاختلاف بيني و بينهم و أتقبلهم كما هم بناء على العوامل المؤثرة فيهم، بل سأكون أكثر قدرة على معرفة مواطن الضعف و مواطن القوة فى الآخرين و بالتالي التأثير فيهم بتعزيز مواطن القوة و تطوير مواطن الضعف عندهم.
ولكن يبقى السؤال المهم
لقد أبحر العلماء فى النفس الانسانية و لهم من التعريفات و التقسيمات و النظريات والتحليلات الكثير....ما جعله علماً مستقلاً بذاته هو (علم النفس )
و لا يمكننا بالتأكيد ان نلم بكل ما جاء فى هذا العلم الضخم و الرائع .
و لكن يمكن القول ان شخصية الإنسان تتكون من مزيج من:
الدوافع و العادات والميول و العقل و العواطف و الآراء و العقائد و الأفكار و الاستعدادات و القدرات والمشاعر والأحاسيس و السمات
التى تشكلت على مدار ما مضى من عمرنا و التي هي أيضا قابلة للتغيير في الآتى من حياتنا .
ويتاثر تكون هذه الشخصية بعوامل عدة :
منها العوامل الوراثية و الأبوان و المدرسة و المعلمون و الأصدقاء و الإعلام
ثم والأهم أنت نفسك و نظرتك الى ذاتك
كل هذه المؤثرات تعمل فى شخصياتنا التى نشأت أول ما نشأت على الفطرة السوية
فالفطرة كالعجينة اللينة التى من الممكن أن تتشكل على شكل ملاك و من الممكن أن تتشكل على شكل شيطان .
و لكننا جميعا من بنى أدم يتم تشكيلنا على شكل بشر نحمل من صفات الملائكة و نحمل من صفات الشياطين و تختلف هذه النسبة من فرد إلى أخر تبعا للمؤثرات التى تعرض لها .
قال تعالى : (و نفس و ما سواها فالهمها فجورها و تقواها قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها )
و ينعدم الوعي الذاتي عند الاطفال حديثي الولادة فإنه لا يشعر إلا بأنه جزء من والدته و يبدأ الوعي الذاتي ينضج شيئا فشيئا.
فتجد الطفل يتعرف على جسده و ينظر ليديه و قدميه ثم يبدأ فى التعرف على الألفاظ و الكلمات و يلتقط فكرته عن نفسه فى البداية من كلمات ووصف المحيطين به
فعندما يسمع الطفل أمه تقول أنه (ولد شقي) ...يخزن هذه الكلمة ...حتى يتعرف تدريجياً على معناها ...و يرسخ لديه أنه شقي فلا يمكن أن تكذب أمه ...و يبدأ يتصرف تصرفات الأشقياء حتى يثبت وجوده و ذاته لأنه شقي
و عندما يكبر الطفل و يذهب إلى المدرسة و يختلط بالأصدقاء يتأثر أيضا برأي أصدقائه و معلميه فى شخصيته .
وأحياناً قد يتأثر برأي أحد أصدقائه..حسب القدوة بالنسبة له.
المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري رحمه الله كان له حديثاً يروي قصة حياته و يذكر أنه كان فاشلاً دراسياً و كان يرسب فى المرحلة الابتدائية ...وفى إحدى المراحل الدراسية كان أحد معلميه يلقبه بالعبقرى ....مجرد لقب لقبه إياه معلمه للتشجيع أعطى له دفعة كبيرة حتى يثبت لمعلمه أنه فعلاً عبقري
و لذلك
كلماتك وأحكامك التي تقولها وتطلقها على الآخرين..لا تعلم متى وكيف قد يأخذها إنسان وتؤثر في حياته بشكل كامل..إن كانت إيجابية أو سلبية
ويوماً ما ستصبحون آباء وأمهات
انتبهوا لكل كلمة تقولونها لأطفالكم
فكلماتكم تبنى الوعى الذاتى لديهم
و عندما نتعرف على الجزء الطيب فى ذواتنا و نعترف و نتقبل أن فينا جزءً خبيثاً ...سنكون أقدر على تطوير الطيب و استئصال الخبيث ...
فأول العلاج التشخيص .
و عندما نتعرف أكثر على العوامل التى أدت الى ظهور هذا الخبيث سواء كان مغروساً فى جيناتنا الوراثية أو من تربية خاطئة أو من اصدقاء سوء أو من معلمين جهلاء أو من إعلام قبيح أو من غيرها ..نكون قد وضعنا يدنا ليس على المرض فقط بل على سببه ايضاً و بالتالي سنكون أكثر قدرة على العلاج المتجه نحو السبب و ليس إلى مجرد العرض .
لمن فاته موضوعنا السابق
ღ‿ღ الذكـــاء العـــاطفي ღ‿ღ