صفحة 10 من 10 الأولىالأولى ... 8 9 10
النتائج 181 إلى 194 من 194

الموضوع: رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة ^^ (موضوع متجدد حلقة حلقة بإذن الله)

  1. #181
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة cosette31 مشاهدة المشاركة
    مرحبا سيدة زينب كيف حالك ؟^^اولا انني معجبة للغاية بروايتك و اتمنى ان اشاهدها يوما كانمي !و بالرغم من ان المشاكل تعيقك فانني راغبة حقا في انهائها ! بحثت كثيرا كي احملها دون نفع :'( فمن اين يمكنني ان احملها ؟و جزاك الله خيرا ♡
    الحمد لله ^^ وجزاك الله خيرا لهذه الكلمات الطيبة المشجعة جدا، ويااااارب يحقق امنيتنا بمشاهدتها انمي رائع وجميل بالخير والعافية وما ذلك على الله يعزيز (: يسعدني حقا أن الرواية حازت على إعجابك، واشكرك لهذا الاهتمام الكبير (بارك الله فيك)، ولكن الرواية حتى الان غير متوفرة على النت إلا من خلال هذا الرابط على منتدى سبيستون (ذكرت في البداية ان هذا العرض حصري فقط على سبيستون^^ لأن الرواية بالاصل منشورة في كتاب ورقي وحقوقه محفوظة) وحقيقة كنت حريصة جدا (وما زلت) على متابعة نشر حلقاتها بانتظام هنا حتى النهاية إن شاء الله، ولكن قدر الله وما شاء فعل!! ): لم اتوقع ان تظهر مشكلة التنسيق التي لم يتم حلها حتى الآن!!!! ): لا اعرف حقا ما العمل!! ): دعواتكم لتسهيل المهمة وجزاكم الله خيرا كثيرا (: وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  2. #182
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,206
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alfurussiah مشاهدة المشاركة
    الحمد لله ^^ وجزاك الله خيرا لهذه الكلمات الطيبة المشجعة جدا، ويااااارب يحقق امنيتنا بمشاهدتها انمي رائع وجميل بالخير والعافية وما ذلك على الله يعزيز (: يسعدني حقا أن الرواية حازت على إعجابك، واشكرك لهذا الاهتمام الكبير (بارك الله فيك)، ولكن الرواية حتى الان غير متوفرة على النت إلا من خلال هذا الرابط على منتدى سبيستون (ذكرت في البداية ان هذا العرض حصري فقط على سبيستون^^ لأن الرواية بالاصل منشورة في كتاب ورقي وحقوقه محفوظة) وحقيقة كنت حريصة جدا (وما زلت) على متابعة نشر حلقاتها بانتظام هنا حتى النهاية إن شاء الله، ولكن قدر الله وما شاء فعل!! ): لم اتوقع ان تظهر مشكلة التنسيق التي لم يتم حلها حتى الآن!!!! ): لا اعرف حقا ما العمل!! ): دعواتكم لتسهيل المهمة وجزاكم الله خيرا كثيرا (: وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    مساء الورد الآن فهمت لم أجدها أيضا على النت شكراً لتوضيح ^^

    بالنسبة لمشكلة تنسيق ربما عليك تغيير متصفح الذي تستخدمينه ^^

    مع اني لم أفهم تماما هل تواجهي مشكلة في إطار كتابة أو مشكلة أخرى ^^


    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥




  3. #183
    ~¤ سبيستوني مشرق ¤~
    تاريخ التسجيل
    03 Dec 2020
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    121
    مرحبا طيب الله اوقاتك

    بانتظار المزيد من ابداعك

  4. #184
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ^^ ... ارجو أن تكونوا جميعا بخير وعافية... وكل عام وانتم بخير، رمضان كريم ^_^ ... للأسف مشكلة التنسيق لم تحل بعد، مع شكري وتقديري لادارة المنتدى على اهتمامهم (جزاهم الله خيرا).. المشكلة أن لوحة التنسيق لا تظهر لدي من الاساس، ومن ثم السطور المتتالية تظهر متصلة ببعضها البعض بالسطر نفسه عند النشر! وعلى الاغلب أن المشكلة في جهازي والله أعلم (ربما نسخة المنتدى ثقيلة عليه!)، أشكر المديرة التي اقترحت ان اتواصل معها مباشرة، لكنني لم اعرف كيف افعل ذلك أيضا!!! (لم اجد طريقة لارسال رسالة خاصة)، لذلك لا أدري متى سأتمكن من ايجاد حل لذلك ): وقدر الله وما شاء فعل ولعله خير (: المهم أن تكونوا جميعا بخير ولا تنسونا من صالح دعائكم في هذا الشهر الكريم ^^ ومرة أخرى.. كل عام وانتم بخير ^^ وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  5. #185
    مشرف إداري الصورة الرمزية st.asma1
    تاريخ التسجيل
    16 Aug 2016
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    470
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alfurussiah مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ^^ ... ارجو أن تكونوا جميعا بخير وعافية... وكل عام وانتم بخير، رمضان كريم ^_^ ... للأسف مشكلة التنسيق لم تحل بعد، مع شكري وتقديري لادارة المنتدى على اهتمامهم (جزاهم الله خيرا).. المشكلة أن لوحة التنسيق لا تظهر لدي من الاساس، ومن ثم السطور المتتالية تظهر متصلة ببعضها البعض بالسطر نفسه عند النشر! وعلى الاغلب أن المشكلة في جهازي والله أعلم (ربما نسخة المنتدى ثقيلة عليه!)، أشكر المديرة التي اقترحت ان اتواصل معها مباشرة، لكنني لم اعرف كيف افعل ذلك أيضا!!! (لم اجد طريقة لارسال رسالة خاصة)، لذلك لا أدري متى سأتمكن من ايجاد حل لذلك ): وقدر الله وما شاء فعل ولعله خير (: المهم أن تكونوا جميعا بخير ولا تنسونا من صالح دعائكم في هذا الشهر الكريم ^^ ومرة أخرى.. كل عام وانتم بخير ^^ وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    أهلاً صديقتي

    رمضان مبارك ^^

    تقبل الله طاعتكم ..

    للتواصل مع المديرة بشكل مباشر بإمكانك إنشاء موضوع جديد في إحدى الكواكب

    ويتم حذفه بعد إرساله للإدارة ..

    اتمنى لكِ كل التوفيق ^^

  6. #186
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة st.asma1 مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً صديقتي رمضان مبارك ^^ تقبل الله طاعتكم ..للتواصل مع المديرة بشكل مباشر بإمكانك إنشاء موضوع جديد في إحدى الكواكب ويتم حذفه بعد إرساله للإدارة ..اتمنى لكِ كل التوفيق ^^
    جزاكم الله خيرا بإذن الله احاول ذلك قريبا ^^***وكل عام وانتم بخير بمناسبة العيد، وجزاكم الله خيرا لكل جهودكم التي تبذلونها لأجل شباب المستقبل..جعل الله ذلك في موازين حسناتكم، وزادكم من فضله وأخذ بيدكم لكل خير ^^وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  7. #187
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,206
    هلا و سهلا بك عودة طيبة الينا و عيدك سعيد **

    اتمنى ان يتم انهاء القصة لنا يوماً و ان احتجت لمساعدة فنحن هنا ^^

    ان كان مازلت مشكلة تنسيق معطلة يمكنني مساعدتك لو احتجت لشيء ^^

    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥




  8. #188
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    هلا و سهلا بك عودة طيبة الينا و عيدك سعيد **اتمنى ان يتم انهاء القصة لنا يوماً و ان احتجت لمساعدة فنحن هنا ^^ان كان مازلت مشكلة تنسيق معطلة يمكنني مساعدتك لو احتجت لشيء ^^
    جزاك الله خيرا كثيرا لاهتمامك أختي ^^ ... بالطبع لن انسى موضوع انهاء القصة هنا إن شاء الله، فهذا ما اتوي فعله... وعلى الاغلب تبين ان مشكلة التنسيق التي اعاني منها متعلقة بجهازي!!!! وبالطبع اشكر الادارة الذين اخبروني بأنهم على استعداد للمساعدة، ولكن بما ان الامر متعلق بالجهاز (ربما لانه قديم وعليه برامج ثقيلة، فلا يعد يستطيع التعامل بسهولة مع موقع سبيستون للاسف!! ) لذلك إلى حين حل المشكلة بإذن الله، أترككم في أمان الله ^^ ... وكل عام وانتم بخير... وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  9. #189
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة التاسعة والعشرون: انتصار


    الحلقة التاسعة والعشرون: انتصار


    بصعوبة تكلمت انتصار وهي تشهق شهيقا كاد أن يخنقها:
    - آسفة لا شيء يستحق القلق.. اطمئني..
    فاكتفت ميمونة بالصمت وهي تربت على كتف انتصار بحنان، وقد أدركت بحدسها أن للأسطورة علاقة بالأمر، وبعد أن هدأت انتصار قليلا، حسمت ميمونة أمرها وتجاوزت ترددها لتسألها مباشرة:
    - هلا أخبرتني عن نفسك يا انتصار؟
    شعرت انتصار بأنه قد آن الأوان لتتحدث عن نفسها، فمن غير المعقول أن تبقى صامتة هكذا وهي في ضيافة هذه العائلة الطيبة إلى الأبد، وأخيرا قالت:
    - ربما لم أشعر بذلك من قبل ولكنني أستطيع القول بأنني نشأت في بيئة مترفة جدا، لم أكن أعرف فيها معنى المسؤولية، رغم أن أمي توفيت وأنا في سن الرابعة، فقد تولى أبي رعايتي وخصص لي الكثير من الخدم الذين يهتمون بشؤوني الخاصة لا سيما وأنني ابنته الوحيدة، إضافة إلى أنه لم ينجب من زوجته الأخرى التي جاءت لمنزلنا بعد عامين من وفاة أمي، والتي انشغلت بحياتها الخاصة منذ البداية فلم تكن العلاقة بيننا أكثر من اثنتين تعيشان في المنزل نفسه ولا يجمعهما إلا مائدة الطعام، ولم تكن تتدخل بشؤوني أبدا وربما كان هذا أفضل شيء فعلته بالنسبة لي..
    نشأت بعيدة عن أترابي فقد كانت لي حياتي الخاصة أيضا و التي أشعرتني بالعزلة، فالدروس أتلقاها وحدي في المنزل على أيدي المعلمات اللاتي يختارهن لي أبي، ولم أكن أخرج إلا بصحبة مرافقات خاصات يعتنين بي، فقد كان أبي يخشى علي كثيرا حتى أنني لم أعلم بوجود خالة لي إلا بعد أن تجاوزت سن العاشرة، فلم يكن ليسمح لي بزيارة أحد، ولم أستطع تفسير ذلك إلا بقلقه الزائد عليّ ولا أدري لماذا، لكنني لم أكن أجرؤ على التفكير في مخالفة أمره، ولا حتى أن أطلب منه الجلوس معي أو مرافقتي في نزهة، فهو مشغول دائما وذو شخصية صارمة حازمة، ويكفيني منه تعامله الطيب معي..
    وصمتت انتصار قليلا فيما كانت ميمونة تتابعها باهتمام، وتحثها بعينيها على متابعة الكلام.. تنهدت انتصار وإمارات التأثر تعلو قسائم وجهها مما يشير إلى أنها قد اقتربت من الحديث عن الجزء الأخطر في حياتها:
    - لقد كانت الأمور في حياتي تسير بشكل رتيب و ممل أحيانا، حتى جاء ذلك اليوم الذي طلبت فيه خالتي الوحيدة من أبي السماح لي بزيارتها والمبيت عندها فهي تقيم وحدها في منزلها بعد وفاة زوجها الذي لم تنجب منه، وبعد إلحاح شديد و ضمانات كثيرة تعهدت فيها خالتي بأن كل شيء سيكون على ما يرام، سمح لي أبي الذهاب إليها، وكنت متشوقة لمعرفة أية معلومات عن أمي وعائلتها، والتي لم أكن أعرف عنها شيئا، لقد شعرت بحنان الأم المتمثل في خالتي لأول مرة، حتى أنني ظننتها لوهلة انها أمي الحقيقية التي عشت بعيدة عنها طوال تسع سنوات مضت، فقد كنت وقتها في الثالثة عشرة من عمري، وقد توالت زياراتي بعدها لخالتي بحذر؛ حتى لا أغضب أبي فيمنعني من زياراتها نهائيا، فقد تعلمت منها الكثير حتى أنها علمتني الصلاة لأول مرة، وأهدتني مصحفا أقرأ منه، وكانت خالتي حكيمة جدا فقد كانت هي أحرص مني على أن لا يحول أبي بيني وبين زيارتها، حتى أنني حينما حاولت ارتداء الحجاب تأسيا بها، منعتني معللة بأنه لم يحن الوقت المناسب لذلك بعد، وبالفعل لم يلحظ أبي أي تغير في تصرفاتي أو في تعاملي معه مما أتاح لي فرصة للتقرب من خالتي أكثر، فشعرت بأن لأسرة أمي ماضٍ عريقٍ يلفه بعض الغموض إلا أنني لم أفكر بالسؤال عنه مطلقا مكتفية بما تحدثني به خالتي..
    وصمتت انتصار مرة أخرى في حين أخذت الدموع تفيض من عينيها مجددا، وهي تحتضن يدها اليمنى بيدها اليسرى وتضمها إلى صدرها، قبل أن تقول بحزن:
    - ماتت خالتي الحبيبة بعد أربع سنوات عوضتني فيها عن أمي، فكان موتها صدمة كبيرة لي رغم أنها بذلت جهدا كبيرا لمواساتي وهي على فراش الموت، كانت تحاول إيصال رسالة لي وهي تضع في أصبعي خاتمها الغريب الذي طالما أثار فضولي، مرددة على أسماعي عبارتها التي لا زالت تطن في أذني "هذه أمانة فحافظي عليها، فقد يكون مصير العالم مرهون به"، ولم ألق بالا وقتها لذلك الكلام أمام فاجعتي الكبيرة بموتها، غير أن الخاتم غدا أعز ما أملك ما دام عزيزا عليها إلى ذلك الحد، فهو جزء منها، والصلة التي تربطني بها..
    كانت الدموع تسيل بغزارة من عيني ميمونة التي حاولت جاهدة أن تتجلد أمام انتصار وهي تنصت إليها، حتى لا تثير أحزانها أكثر، لكن انتصار اصطنعت ابتسامة صغيرة وهي تقول:
    - هوني عليك يا عزيزتي، لم يأت صلب الموضوع بعد!

    عادت سارة إلى المنزل مسرعة فقد كان لديها الكثير من الواجبات لذلك اليوم، والأهم من ذلك، نسخة الأسطورة التي ناولتها إياها سمر- فقد تغيبت أمس عن درس جويرية بسبب الم في معدتها- وأخذت تراجع في عقلها واجباتها المنزلية وهي تتمنى أن تعفيها أمها من بعض الأعمال، فقد كانت متلهفة للأسطورة التي لن تستطيع قراءتها قبل أن تنتهي هي وسمية من غسل الملاءات، و بعد أن أدت صلاة الظهر بدأت بحل واجباتها المدرسية دون أدنى استراحة فعليها أن تنجز كل ذلك بسرعة قبل العشاء، وبينما كانت منهمكة في حل احد المسائل الحسابية، بلغها صوت صراخ سوسن وبكائها وهي تتشاجر مع محسن كالعادة حول أحد اللعب، فحاولت تجاهلها لتستطيع التركيز في المسألة، لكن صوت أمها وهي تناديها جعلها تترك كل شيء:
    - نعم يا أمي، هل تريدين شيئا؟
    فقالت لها وهي مشغولة بغسل و تقطيع بعض الخضار في المطبخ:
    - اهتمي بسوسن ريثما أنتهي، أو اشغليها ببعض الألعاب و راجعي مع محسن كتابة الحروف..
    بدا التذمر على وجه سارة رغم محاولتها كظم غيظها:
    - ولماذا لا تهتم بهم سمية، فلدي الكثير من الواجبات لهذا اليوم!
    رمقتها أمها بنظرات مؤنبة:
    - لدى سمية الكثير من أعمال الحياكة وهي مشغولة بها، كوني مهذبة!
    فاعتذرت سارة بسرعة:
    - آسفة يا أمي..
    وقفزت ببالها فكرة سريعة تجعلها تحقق رغبتها ورغبة أمها في وقت واحد، فنادت سوسن قائلة:
    - لدي مفاجأة.. فسأحكي لك قصة جميلة..
    لكن سوسن ردت باكية:
    - أريد اللعبة أريدها ..
    فالتفتت سارة إلى محسن الذي بدا متشبثا بلعبة على شكل حصان إمعانا في إغاظة سوسن:
    - أعطها إياها و سأحكي لك قصة جميلة..
    فرد محسن بثبات:
    - هذه لعبتي أنا!
    فقالت سوسن:
    - بل لعبتي أنا!!
    فحاولت سارة إقناعها:
    - لدي دمية جميلة أجمل من هذه اللعبة وستعجبك بالتأكيد..
    فهتفت سوسن:
    - الدمية المعطرة، أريدها أريدها!!
    فرمى محسن الحصان من يده:
    - و أنا أريد الدمية، أنت لا تسمحين لي بمسّها هذا ليس عدلا!
    فقالت سوسن:
    - الدمية للبنات وأنت ولد!!!!
    فرد عليها محسن:
    - والحصان للأولاد فلماذا تريدينه!
    فقالت سوسن بحدة:
    - لا، الكل يركب على الحصان!
    فقاطعها محسن بشدة:
    - الحصان للأولاد!!
    تدخلت سارة:
    - حسنا حسنا، عليك بكتابة الحروف أولا ثم سنلعب معا لعبة الدمية والحصان..
    وبعد أن هدأت الأوضاع وهمت سارة بمتابعة حل واجباتها، فوجئت بسوسن تقول لها وقد استقرت الدمية المعطرة في يدها:
    - ألن تحكي لي القصة الجميلة؟؟
    وسرعان ما وجدت سارة نفسها في ورطة وهي تحاول أن تحكيها لها بطريقة تفهمها، في حين كانت هي متشوقة لمعرفة الأحداث بسرعة.. وكلما اندمجت مع القصة، تهزها سوسن من كمها:
    - هيا قولي ماذا حدث، اقرئي بصوت عال..
    وفي تلك الأثناء عاد حسان إلى المنزل محيياً:
    - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالكم؟
    فهبت سارة من مكانها:
    - يا إلهي هذا يعني أن صلاة العصر قد قُضيت وأنا لم أنجز شيئا بعد!!
    فاستوقفتها سوسن:
    - ماذا حدث مع جوريا؟ اخبريني هيا!!
    فناولت سارة النسخة لحسان، قائلة لها:
    - سيكملها لك حسان، سأذهب لأصلي العصر، لقد تأخرت كثيرا ولم أنته من واجباتي بعد!!
    ثم خاطبت حسان قبل أن تخرج من الغرفة:
    - اعتن بالنسخة جيدا فهي ليست لي!
    فناداها حسان وهو لم يفهم شيئا بعد:
    - لحظة أنا متعب جدا ولدي الكثير من الواجبات أيضا!!
    لكن سوسن لم تمهله إذ أخذت تشده من ملابسه قائلة:
    - أخبرني ماذا حدث مع جوريا؟؟
    فزفر حسان بضيق:
    - ومن هي جوريا هذه!!
    ومن لطف الله به أن سمع صوت أمه وهي تنادي سوسن:
    - ألا تريدين الذهاب في العربة مع وسام ، سيشتري بعض الحاجيات من السوق!
    فهتفت سوسن بفرح وهي تجري لترتدي حذاءها بسرعة:
    - بلى بلى..
    و لم تنس الأم أن تؤكد عليها قائلة:
    - كوني مهذبة ولا داعي للشجار مع محسن!
    ووجهت الكلام نفسه لمحسن، الذي استعد للصعود إلى العربة:
    - وأنت يا محسن كن مطيعا ولا تعاند أخاك الكبير واعتن بسوسن..
    وما إن تحركت العربة، حتى تنهد حسان بارتياح:
    - رافقتكم السلامة..
    ***
    لم تكد ميمونة تحدث أمها وأختها جويرية عما حدّثتها به انتصار في عجالة، حتى دخل عليهم الشيخ عبد الرحيم محيياً بعد عودته من الجامع إثر انقضاء صلاة العصر وجلوسه مع عدد من المصلين الذين كانوا ينتظرون فراغه من الصلاة، بين مستفت وسائل أو طالب للنصح والمشورة..
    وبعد أن جلس مستندا إلى وسادة -أسرعت جويرية بإحضارها له- قال:
    - لقد حدثني أحدهم قبل قليل بأن أخبارا بدأت تشيع بين الناس عن اختفاء ابنة تاجر الذهب المعروف فاخر شفيع، فقد بدأ رجاله يجوبون بحثا عنها في المدينة..
    ورغم أن ميمونة توقعت أن تكون انتصار ابنة أحد الأثرياء المعروفين في المنطقة لكنها لم يخطر ببالها قط أن تكون ابنة التاجر فاخر شفيع الملقب برجل الذهب الأول، الرجل الأغنى في المنطقة، والذي ضرب به المثل في الغنى وقوة النفوذ، وقد قيل أنه الداعم الرئيس لأفكار نديم السامر والجدار الحامي له، ولم تكن دهشة جويرية بأقل منها، في حين أسرعت أمهما بالسؤال بلهجة لا تخلو من قلق:
    - وماذا قلت له؟؟ قد لا تكون ابنة فاخر شفيع فهي لم تخبرنا باسم عائلتها حتى الآن!!
    لكن الشيخ عبد الرحيم طمأنها بقوله:
    - لقد عملت حسابا لهذا، فلم أشعره بشيء، حتى نتأكد من الفتاة بأنفسنا قبل أن نكون سببا في التغرير بها وتعريضها للخطر..
    ولم تنتظر ميمونة أكثر إذ نهضت من مكانها قائلة:
    - سأتأكد من انتصار بنفسي..
    فاستوقفتها أمها منبهة:
    - لا تضغطي عليها يا ابنتي، وكوني حذرة في كلامك..
    فطمأنتها ميمونة باسمة:
    - لا تقلقي يا أمي فأنت تعرفين ميمونة..
    وبعد أن طرقت ميمونة الباب فتحته لتجد انتصار لا تزال بملابس الصلاة جالسة على السجادة باتجاه القبلة وعيونها مبللة بالدموع، وما إن شعرت انتصار بها؛ حتى نهضت من مكانها وهي ترد التحية عليها، وبدون مقدمات كثيرة لم تكلف ميمونة نفسها عناء التفكير في صياغتها قالت:
    - بالمناسبة يا انتصار لم تخبريني عن اسم والدك؟
    فرمقتها انتصار بنظرات توجس قبل أن تقول بتردد:
    - هل جاء من يبحث عني؟؟
    شعرت ميمونة بالحرج من تسرعها، لكن انتصار أنقذتها من ذلك بقولها:
    - لا عليك يا صديقتي فلن أستطيع الهروب من أبي وعائلتي إلى الأبد، أنا ابنة تاجر الذهب فاخر شفيع..
    ورغم خيبة الأمل التي ارتسمت على وجه ميمونة؛ لأنها كانت تتمنى سماع غير ذلك- لا سيما وأن صورة فاخر شفيع في ذهنها لم تكن محمودة- إلا أنها أخفت ذلك كله بابتسامة عريضة:
    - ما شاء الله، والدك ذو شخصية مرموقة ونفوذ واسع..
    ولم يخف على انتصار ملاحظة حقيقة ذلك الانطباع على وجه ميمونة فردت ببرود:
    - شكرا لمجاملتك اللطيفة، وإن كنت متأكدة من أنك لا تودين أن يكون لك والد مثله، فأنا أغبطك فعلا على وجودك في ظل عائلة متدينة ووالدين يرعيانك ويحميانك، لقد أصبحت أحب أهل الدين كثيرا وليتني ولدتُ في بيت متمسك بدينه مطبقا لأحكامه..
    أسرعت ميمونة تستدرك نفسها وهي تقول بلهجة جادة مقتنعة:
    - لا تقولي هذا يا عزيزتي، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين، و لكلٍ منا مهمته المختلفة في هذه الحياة، فيسخر الله له أسبابها المناسبة لتؤهله لها، فدوري غير دورك ولا شك أن بيئتك التي نشأتِ بها، والظروف التي تمرين بها، تدل على أن الله سيستعملك لأمر عظيم، وكلٌ ميسر لما خلق له..
    فتهلل وجه انتصار فرحا:
    - أتظنين ذلك حقا!! شكرا لك يا ميمونة لقد أزاحت كلماتك هذه عبئا ثقيلا عن كاهلي..
    ثم ابتسمت وهي تحاول استعمال العبارات التي تسمعها تتردد كثيرا في هذا البيت:
    - جزاك الله خيرا يا ميمونة.. جزاكم الله خيرا كثيرا وبارك فيكم..
    لم تتوقع ميمونة أن تؤثر كلماتها إلى هذا الحد في نفس انتصار، فحمدت الله في سرها أن ألهمها ما فيه الخير، وكلمات أمها التي طالما سمعتها تتردد في أذنيها "أحسني اختيار كلماتك يا ابنتي فالكلمة الطيبة صدقة"، ودمعت عيناها وهي تشد على يدي انتصار:
    - وجزاك الله خيرا أنت يا انتصار، فقد تعلمت منك الكثير..
    ***


    كان حسان يحاول جاهدا لف الخيط حول الدائرة التي رسمها على ورقة، ليحسب نسبتها إلى طول القطر - كما طلب منهم المعلم نبراس- عندما فوجئ بمحسن يجذبه من يده وهو على وشك أن يصل بالخيط إلى النقطة التي ابتدأ منها لفه على الدائرة، فصرخ بغضب:
    - لقد أفسدت عملي في اللحظة الأخيرة!!
    فما كان من محسن إلا أن علا صوته بالبكاء وهو يجري خارج الغرفة، وما هي إلا لحظات حتى دخلت عليه سمية:
    - ما الذي فعلته لمحسن!! لقد جاء يناديك إذ سيحين موعد الإفطار بعد قليل، ألم تسمع أبي وهو ينادي عليك؟
    نهض حسان من مكانه:
    - غريب لم أسمع شيئا، يبدو أنني غرقت تماما في هذه الدائرة!
    وما إن جلس حول المائدة معتذرا عما بدر منه حتى ارتفع صوت أذان المغرب، وبعد أن تناول الجميع التمرات مرددين الدعاء، خرج وسام وحسان مع والدهم إلى الجامع القريب في حين أدت سارة وسمية صلاة المغرب مع أمهما جماعة في البيت، قبل أن يتابعوا طعامهم ويجتمع الشمل من جديد على مائدة الإفطار..
    لاحظ حسان أن محسن لم يزل بمزاج معكر جراء صراخه عليه، مما أشعره ببعض الذنب فحاول أن يلطف الوضع بقوله:
    - هل تعرف كيف تلف الخيط حول الدائرة يا محسن؟؟ إنه أمر متعب جدا لذلك لم انتبه إليك عندما ناديتني وكنت على وشك الانتهاء!!
    فبادرت سوسن معقبة:
    - أنا ألف الخيط أنا أعرف..
    فخرج محسن عن صمته بسرعة ليستعيد الزمام قبل أن يفلت من يده وتصبح سوسن هي محور الكلام:
    - هذا أمر سهل، سأريك كيف ألف الخيط بسرعة
    وهم بالنهوض ليتبع القول بالعمل، لولا أن أمه التي تجلس بينه وبين سوسن، جذبته قائلة:
    - بعد الإفطار، فأنت لم تأكل شيئا اليوم!
    فقالت سوسن:
    - وأنا لم آكل شيئا، أنا صائمة أيضا..
    فرد عليها محسن:
    - بل شربت الماء وهذا ليس صياما!!
    فردت بحدة:
    - أنا لم آكل.. وحتى أنت شربت الماء!
    وقبل أن يضيف محسن كلمة أخرى في ذلك الجدال الذي لن ينتهي كالعادة، قال الأب قبل أن تجبرهما الأم على متابعة طعامهما بالقوة:
    - أنتما الاثنان ممتازان ورائعان..
    واستطرد وهو يلتفت نحو حسان:
    - ما هو الواجب المطلوب منك؟
    فأجاب حسان:
    - طلب منا المعلم نبراس حساب نسبة طول المحيط إلى طول القطر في عشر دوائر مختلفة على الأقل، لإيجاد العدد الطبيعي 3.14، ومن ثم حل بعض المسائل على أساسها، وبما أنه سمح لنا بالتعاون فيها فقد تقاسمت مع أصيل الدوائر لكل واحد منا خمس، وكنت على وشك الانتهاء من الدائرة الأخيرة!!
    فقال الأب حاملا كأس الماء بيده:
    - بدلا من أن تضيع وقتك بلف الخيط على دائرة مرسومة، تستطيع لفها حول جسم اسطواني بسهولة أكبر، كهذا الكأس..
    فهتف حسان بسعادة:
    - فكرة رائعة ما شاء الله، جزاك الله خيرا يا أبي..
    وهم أن يقفز بسرعة نحو غرفته ليحضر الخيط ويجرب لفه حول الكأس، لولا أنه تذكر ما حدث مع محسن قبل قليل فحاول ضبط نفسه وحماسته حتى ينتهي من الإفطار، وبعد لحظة صمت تساءلت سمية:
    - ترى متى حسبوا هذه القيمة أول مرة؟؟
    بادرت سارة بقولها:
    - منذ زمن بعيد جدا على ما أعتقد!
    فابتسم حسان:
    - يعني منذ متى تقريبا، قبل كم سنة؟
    فنظرت إليه سارة:
    - وهل تعرف أنت؟؟
    فأومأ حسان برأسه:
    - لقد قرأت عنها اليوم، ونحن نبحث في مكتبة المدرسة، هيا من يخمن؟
    أسرعت سوسن تجيب:
    - منذ عشر سنوات..
    فعلق محسن مستخفا بها:
    - قالت سارة منذ زمن بعيد جدا فهل هذا زمن بعيد!!
    سألته سوسن بتحد:
    - فمتى إذن؟؟
    فأجاب محسن بلهجة واثقة:
    - ربما قبل عشرين سنة..
    فضحك الأب وحسان وضحكت الأم و سارة وسمية، حتى وسام الذي كان يأكل بصمت انفرجت شفتاه عن ابتسامة صغيرة، قبل أن يقول الأب:
    - كلٌ يقارن بنفسه..
    فقال حسان الذي كان متحمسا للإجابة:
    - هيا يا أبي خمن؟؟
    فقال الأب:
    - لا أدري ولكن لا أظنه يتعدى المائة عام!
    فابتسم حسان و لم يقل شيئا ملتفتا إلى أمه:
    - وأنت يا أمي؟
    فقالت:
    - ربما أوجدها العلماء المسلمون الأوائل، على زمن جابر بن حيان مثلا؟؟
    فقالت سارة:
    - هيا قل متى؟؟؟
    فأجاب حسان بحماسة:
    - تخيلوا أنها كانت معروفة قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام!!!
    فعلت الدهشة الوجوه:
    - سبحان الله!!!!
    فتابع حسان:
    - لقد حسبها أرخميدس..
    فقالت سارة بفرح:
    - أجل لقد قرأت عنه عندما كنت أبحث عن بعض المعلومات حول تخزين المياه، إنه عالم فذ ويقال أن الفضل يعود له في تصميم رافع المياه المستخدم، هذا بالإضافة إلى الكثير من الأعمال الأخرى، لكنني لم أكن أتوقع أنه عاش قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام..
    فقال وسام بلهجة متشككة:
    - و كيف حُفظت هذه العلوم من ذلك الزمن البعيد!!
    ردت سارة:
    - وهل هذه تحتاج إلى سؤال؟؟ تناقلها الناس بالتداول بينهم لكثرة حاجتهم إليها، فكيف تريدها أن تضيع؟؟
    فهتف حسان:
    - يا لك من عبقرية ما شاء الله، لم يخطر ببالي هذا التفكير من قبل..
    فجأة وبدون سابق إنذار هتفت سوسن بحماسة:
    - أنا أعرف قصة سيدنا عيسى عليه السلام.. أنا أعرفها، هل أحكيها لكم؟؟
    فقال محسن:
    - أنت مخطئة فأنت تعرفين قصة سيدنا موسى التي حكتها لنا سمية!
    لكن سوسن أجابت بإصرار:
    - بل أيضا أعرف قصة سيدنا عيسى وأمه اسمها السيدة مريم مثل اسم أمي، لقد حكتها لي سمية وأنت لم تكن معنا!
    والتفتت إلى سمية:
    - أليس كذلك؟؟
    فابتسمت سمية:
    - أجل يا عزيزتي..
    فقال محسن بغضب:
    - ولماذا لم تحكِها لي أيضا؟؟ هذا ليس عدلا!!
    حاولت سمية ترضيته، فقالت:
    - لقد ذهبت وقتها مع حسان إلى بيت معاذ لتلعب مع حمزة، ولكن سأحكيها لك بالتأكيد إن شاء الله..
    فأسرعت سوسن تقول:
    - أنا سأحكيها لك فأنا أعرفها..
    لكن محسن أجابها:
    - لا أريد، سأسمعها من سمية..
    فقال لها والدها مشجعا:
    - لا بأس ستحكيها لي فأنا أريد سماعها..
    فردت سوسن وكأنها لم يرق لها أن تُدارَى كالصغار:
    - أنت تعرفها طبعا، ولكن محسن لا يعرفها!
    في حين قال محسن بكبرياء طفل يحاول تقليد الرجال الكبار:
    - ومن قال لك بأنني أريد أن اعرفها منك؟؟
    فتدخلت سمية:
    - ما رأيكما أن يحسب كل واحد منكم كم عدد الأنبياء الذين تعرفون قصتهم، والذي يعرف القصة يحكيها للذي لا يعرفها؟؟
    فبادرت سوسن بسرعة:
    - أعرف قصة سيدنا آدم عليه السلام، وقصة سيدنا نوح وقصة سيدنا صالح..
    فقاطعها محسن:
    - وأنا أعرف قصصهم أيضا، وأعرف قصة سيدنا سليمان وسيدنا إبراهيم وسيدنا يوسف.....
    وبدأت قائمة المنافسة تطول بينهما، فيما نهضت الأم حاملة بعض الصحون الفارغة إلى حوض الغسيل مرددة:
    - الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين، هيا يا أولاد حاولوا إنهاء واجباتكم بسرعة، فلا أريد سهرا عند عودتكم من الجامع بعد التراويح
    فيما أسرعت سمية الى مساعدتها وهي تشمر عن ساعديها لتبدأ التنظيف، وتبعتها سارة وردد الأب وهو ينهض حاملا الصحن الفارغ أمامه كما فعل البقية:
    - جزاك الله خيرا يا مريم، كان إفطارا شهيا والحمد لله الذي أطعمنا هذا ورزقنا اياه من غير حول منا ولا قوة..
    ***



    جلس حسان مع أصيل قبل العشاء على المقاعد الخشبية أمام الطاولة المصنوعة من جذع شجرة مقطوعة في حديقة منزل أصيل لحل بقية الواجب، وما إن اطلع حسان على القيم التي أوجدها أصيل للعدد الطبيعي حتى هتف:
    - ما شاء الله، ما هذه الدقة يا أصيل!! أخبرني كيف وجدتها؟
    فضحك أصيل:
    - تعاملت معها على أنها لعبة مسلية، تعال وانظر..
    وأشار بيده إلى دوائر مرسومة بعود ومحفورة على التراب تحت شجرة الخوخ الكبيرة، متابعا:
    - حاولت تقليد أرخميدس!
    فقال حسان وهو يتأمل الدوائر التي بالكاد استطاع تمييزها على ضوء مصابيح الزيت المعلقة على أغصان الشجر:
    - وهل حسبها هكذا!
    فهز أصيل كتفيه:
    - ربما، ألم نقرأ أنه كان يرسم دوائره على التراب!
    هتف حسان بإعجاب:
    - ما شاء الله، ربطك للأمور ببعضها البعض رائع، أنت موهوب يا أصيل ما شاء الله!
    فضم أصيل قبضة يده اليمنى وقربها إلى فمه مصطنعا الوقار:
    - هل أدركت ذلك الآن فقط!
    لكزه حسان:
    - دعك من هذا الآن، ودعنا نكمل الواجب قبل أذان العشاء..
    رد أصيل متثائبا:
    - لا تثقل علي هكذا فلم أهضم طعام الفطور بعد!
    فصرخ به حسان:
    - يا لك من كسول، متى سننتهى منها ونحن على هذه الحال!
    قال أصيل:
    - تذكر نفسك عندما قلتَ بعد العصر بأنك لن تركز ومعدتك خاوية، فعذرتك، والآن جاء دورك لتعذرني...
    فراجع حسان نفسه قبل أن يقول:
    - معك الحق، رغم أنني تابعت رسم الدوائر كما اتفقنا في المنزل ونسيت نفسي!
    قال أصيل:
    - إذن تعادلنا.. فدعنا نكمله بعد التراويح..
    لكن حسان قال بتوسل:
    - لن أستطيع السهر أنت تعرف أمي..
    فأمسك أصيل كراسته وتابع بعينيه النتائج التي حصل عليها:
    - لا تعقد الأمور كل ما علينا فعله هو حساب متوسط الأرقام، ومن ثم التعويض عنها في هذه المسألة، لن يأخذ منا وقتا طويلا فلا تقلق..
    ثم استطرد قائلا:
    - هل لاحظت شرود علاء اليوم!! قلبي يحدثني بأن هناك شيئا يخفيه عنا، وأظن ان حسام وطلال يعلمان بذلك، لقد كانت تصرفاتهم مريبة بعض الشيء!
    فقال حسان:
    - أرجوك لا تبدأ بأخذ دور المتحري الذكي، دعنا ننهي الواجب بسرعة!
    لكن أصيل قال بإصرار:
    - أنا جاد هذه المرة، ألم تلحظ ردة فعله بعد ثناء المدرب سعد عليه اليوم؟؟ لقد كانت أفضل مرة يصيب فيها علاء هدفا، ومع ذلك لم يبد سعيدا على غير عادته عندما ينجز شيئا ما!! حتى في تجربة اليوم في درس علم الطبيعة، بالكاد تفاعل معها بعد فترة!
    فقال حسان:
    - ربما بسبب موضوع اختبار الترشح الذي يؤرقه!!
    رد أصيل بهزة رأس تدل على عدم اقتناع:
    - ربما...
    ثم استطرد:
    - لقد أعجبتني فكرة نضال، فوقوف علاء وجها لوجه أمام فاتك، يؤهله للترشح للاختبار وليت المدربين يأخذون هذا بعين الاعتبار..
    وقبل أن يتم أصيل كلامه فتح باب المنزل وخرج والده إلى الحديقة فسلم عليهما بعد أن انتعل حذاءه:
    - السلام عليكم، كيف حالك يا حسان؟
    فنهض حسان بسرعة، و مد يده مصافحا السيد بلال باسما:
    - الحمد لله، أبي يسلم عليك ويعتذر عن عدم الذهاب اليوم، فقد شعر ببعض التعب وسيصلي العشاء والتراويح في الجامع القريب إن شاء الله..
    فرد بلال:
    - لا بأس عليه طهور إن شاء الله، كنت اعتزم تعريفه بأحد الأصدقاء في جامع السوق، بلغه تحياتي ودعواتي..
    ثم استدرك قائلا:
    - أرجو أن تكونوا قد أنجزتم واجباتكم..
    فابتسم أصيل قائلا:
    - الحمد لله اطمئن يا أبي كل شيء على ما يرام، لم يبق إلا القليل..
    فرمق بلال حسان بنظرة مستفهمة، قائلا بابتسامة ذات معنى:
    - أرجو ذلك..
    هل تحبان أن أوصلكما بالعربة إلى جامع الفتح، فسأمر بطريقه..
    فشهق حسان:
    - هل حان موعد العشاء؟؟
    فرد السيد بلال:
    - لم يبق للاذان إلا القليل، هل هناك شيء؟؟
    فأسرع أصيل يجيبه بقوله:
    - كلا كلا ولكننا كنا نريد أن نقول أنه لا داعي للاستعجال، ثم إننا نحب أن نتريض قليلا بالمشي إلى هناك، أليس كذلك يا حسان!!
    فأومأ حسان برأسه موافقا، فابتسم بلال:
    - انتبهوا جيدا لأنفسكم وفقكم الله، ولا تنسوا أن تطفئوا المصابيح قبل ذهابكم، مع السلامة..
    قبّل أصيل يد والده:
    - اطمئن سنكون عند حسن ظنك يا أبي إن شاء الله
    وما أن خرج السيد بلال حتى انهمك الاثنان يحاولان تعويض ما فاتهم من وقت، لإنهاء الواجب بسرعة، فلم ينتبها إلا على صوت سارة:
    - لقد ظننت انكما ذهبتما ونسيتماني!! ماذا دهاكما، ستقام الصلاة بعد قليل، لقد تأخرنا!!
    فتنهد حسان بارتياح وهو يغلق كراسته:
    - الحمد لله لقد انتهينا.. جئت في الوقت المناسب!
    في حين لم يستطع أصيل مقاومة تعليقه الساخر:
    - رغبنا أن نعطيك الوقت الكافي هذه المرة لكي تعدي نفسك دون استعجال!!
    فردت سارة بحدة:
    - هكذا إذن، ترمون أخطاءكم علي كالعادة!
    فقال حسان وهو يضغط على يد أصيل بقوة زفر على إثرها الأخير من الألم:
    - حقك علينا والآن هيا إلى الصلاة..
    ***

    ترى.. ما الذي سيجري مع انتصار؟
    وإلى متى ستظل في منزل الشيخ عبد الرحيم؟
    وكيف ستقابل والدها بعد ذلك؟

    وماذا عن علاء؟ وهل سينجع الأصدقاء في مساعدته لتجاوز أزمته؟



    لا تزال الكثير من الأحداث تنتظركم في الحلقات التالية إن شاء الله، فكونوا معنا ^^




    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    التعديل الأخير تم بواسطة st.asma1 ; 10-22-2021 الساعة 06:01 PM سبب آخر: كلام غير مناسب
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  10. #190
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    عدنا والحمد لله ^^

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ^^
    كيف حالكم جميعا؟ أرجو أن تكونوا بخير
    أعتذر مجددا على التأخير الكبير وهذا الانقطاع في نشر الحلقات، وأبشركم بفضل الله، أنني أخيرا استطعت حل مشكلة التنسيق والحمد لله، ونشر حلقة جديدة بسلام هنا، في هذا اليوم المبارك يوم الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الاول لعام 1443هـ (22/ 10/ 2021م)


    الحلقة التاسعة والعشرون- التي نشرتها قبل قليل- بعنوان: انتصار، وسيسعدني معرفة رأيكم وانطباعاتكم عنها بعد هذا الانتظار

    وريثما تخضع الحلقة للمراجعة والتدقيق من قبل المشرفات الكريمات، أرجو أن تكونوا على استعداد ^^


    ودعواتكم (:

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  11. #191
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    اعلان: مقابلة علاء على اكشن!^^


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    يسعدنا اخباركم أننا اخيرا وبعد طول غياب؛ تمت استضافة "علاء" في المقابلة الحصرية على كوكب اكشن من هنا



    مقابلة علاء


    (إذا كانت لديكم المزيد من الأسئلة ترغبون بطرحها عليه؛ فلا تفوتوا الفرصة ^^)

    ودعواتكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  12. #192
    ✾ سبيستوني حالم ✾ الصورة الرمزية artimis
    تاريخ التسجيل
    08 Jan 2017
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    37,206
    السلام عليكم ٱهلا بعودتك و عودة القصة مجدداً لنا بعد هذا الغياب ♥

    لم تتحدث من وقت عن علاء إشتقت لسماع ٱخر تطوراته و إنجازاته ♥

    ٱشكرك على تكملتها لنا متابعة لك دوماً و لٱرى نهاية كيف راح تكون سلام ♥

    ( ليانا المحاربة الشرسة. آيريس المحاربة الأسطورية. كآثرين أسطورة غامضة ) ♡

    يمنع إستخدام أي من أسماءي ف المنتدى و شكرآ ♥




  13. #193
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة artimis مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ٱهلا بعودتك و عودة القصة مجدداً لنا بعد هذا الغياب ♥

    لم تتحدث من وقت عن علاء إشتقت لسماع ٱخر تطوراته و إنجازاته ♥

    ٱشكرك على تكملتها لنا متابعة لك دوماً و لٱرى نهاية كيف راح تكون سلام ♥

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ^^
    جزاك الله خيرا لهذا الاستقبال الجميل، اسعدتني رؤيتك حقا أسعدك الله ^^

    وأخيرا.. سيظهر علاء بعد غياب في الحلقة القادمة بعد قليل، في الرد التالي إن شاء الله..


    شكرا لصبركم، ولا تنسونا من صالح دعائكم ^_^

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  14. #194
    ~¤ سبيستوني هادئ ¤~ الصورة الرمزية alfurussiah
    تاريخ التسجيل
    05 Jun 2019
    الحنس:
    أنثى
    المشاركات
    245

    الحلقة الثلاثون: أمل!


    تنبيه هام..
    هذه الحلقة (والحلقة السابقة) تم تعديلهما بحذف بعض المقاطع منهما، لتناسب منتدى سبيستون
    وشكرا لتفهمكم^^


    الحلقة الثلاثون: أمل!



    آثرت انتصار الجلوس بصمت في الجامع بعد صلاة التراويح، في حين بدا الانفعال واضحا على وجوه الفتيات، وهن ينتظرن تجمع البقية لتبدأ جويرية حلقتها، وكل واحدة منهن مشغولة مع صديقاتها في مناقشة أحداث الأسطورة، وقد نسين في غمرة انفعالهن انهن في جامعٍ، بانتظار حلقة علم، بعد صلاة التراويح في رمضان!!!
    كانت ريم تتحدث بلهجة انفعالية شديدة:
    - لقد أغاظني عدم ذكر التفاصيل في النهاية..
    فردت عليها سارة:
    - لا تكوني عاطفية، فقد أعجبتني النهاية هكذا!

    وقبل أن تضيف أي منهن كلمة أخرى بدأت جويرية كلامها بالثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قالت:
    - لقد قرأتن الأسطورة وكما اتفقنا سنناقش علاقتها بفهمنا للحكمة من الحجاب، فمن لديها الحماسة لتبدأ النقاش؟
    فتبادلت سمر وريم ابتسامة، في حين ابتدأت سارة الكلام:
    - لقد أعجبني في جوريا قوة شخصيتها وصلابتها وعزيمتها من أجل تحقيق هدفها النبيل الذي تسعى إليه، متجاوزة حدود العواطف التي قد تحيد بها عن جادة الصواب..
    ابتسمت جويرية وهي تقلب بصرها متصفحة تعبيرات الوجوه المختلفة قبل أن تسألها:
    - وهل العواطف مذمومة؟
    حارت سارة في الرد:
    - لم أفهم قصدك يا آنسة؟
    التفتت جويرية نحو ريم لتجيب عن السؤال نفسه، فقالت ريم بحرج:
    - لا أعرف الجواب الذي تريدينه تماما يا آنسة ولكنني عرفت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مثالا في احتواء مشاعر الحب، وقد قرأت قصص حب جميلة في سيرته وسير الصحابة والصحابيات في عهده رضوان الله عليهم
    فعلقت جويرية بابتسامة رضا:
    - العواطف ليست مذمومة في حد ذاتها، ولم يحرم الإسلام أي عاطفة نبيلة يشعر بها الإنسان رغما عنه، وإنما هذبها ورعاها حتى لا تنقلب وبالا عليه..
    وتابعت:
    - ولهذا السبب وأمثاله شرع الحجاب وغض البصر وشرع الله لنا ما يحد من العلاقة بين الذكور والإناث إلا في نطاق الضرورة، مع الالتزام بحدود الشرع في التعامل، فلا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، كما ورد في القرآن:
    (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ..
    ولم تملك انتصار دموعها وهي تردد الآية في سرها وتناجي ربها وكأنها انفصلت لوهلة عن محيطها:
    - ( فلا يؤذين)!! يا رب ما أرحمك بنا، ألهذه الدرجة ترفق بنا خشية أن نؤذى!! يا رب كم أحبك فارحمني فقد أوذيت فعلا ببعدي عن شريعتك.. يارب..
    حتى انتبهت الى سؤال جويرية الذي طرحته:
    - هل بإمكاننا التحكم في عواطفنا؟؟

    بدت اللهفة على الوجوه المتسائلة، رغبة في زيادة التوضيح، فتابعت جويرية:
    - لا يمكننا اختيار عواطفنا التي نشعر بها تجاه الآخرين، ولكننا نستطيع التحكم بأفعالنا الصادرة عنها، كما أن الله سبحانه وتعالى وهبنا نعمة العقل ليعيننا على الابتعاد عن أي موطن يورث في قلوبنا ما يكون سببا لحسرته..
    سألت سمر:
    - ما الذي تقصدينه يا آنسة بالموطن الذي يكون سببا لحسرة القلب؟؟
    ردت جويرية:
    - سؤال جيد يا سمر، فالقلب إن امتلأ بعاطفة ما يرغب في أن يرى أثرها على الأفعال الخارجية، فمثلا إن امتلأ قلب إنسان بالكره الشديد نحو شخص معين؛ فسيرغب في أن يرى أثر ذلك فعليا، إما بإيذائه باللسان أو بالبطش باليد وقد يصل الأمر الى الرغبة في القتل، بالطبع سيكون أمام هذا الإنسان اختيار التصرف فإن استسلم لقلبه خسر نفسه وندم، وإن قاوم ذلك ازداد صراعه مع قلبه حتى يهدأ، في حين أنه كان من الممكن أن لا يعرض قلبه لأسباب ذلك الكره الشديد من البداية!
    فأضافت سمر بحماسة- بعد أن فهمت الفكرة:
    - والعكس صحيح!
    أومأت جويرية برأسها:
    - أجل يا عزيزتي، فالقلب كالفرس يهيج إن عرضناه لما يثيره عن طريق السماع أو النظر وما إلى ذلك، وقد يتحكم في أفعالنا إن أفلتنا لجامه ولم نحسن ترويضه، وستزداد حدة الصراع معه إن تركنا له العنان دون حسيب أو رقيب ثم جئنا نحاول السيطرة على أفعالنا بعد ذلك، فجاء شرع الله ليحفظنا من هذه الصراعات بالوقاية منها، مع إيجاد الحلول المناسبة إن أفلت القلب من الخطوات الوقائية..
    تساءلت لينا:
    - وهل هناك حل!!
    فأجابتها جويرية بثقة:
    - بالتأكيد فما من داء إلا وأنزل الله له دواء، ولكن الدواء لا يكون حلواً دائما، أليس كذلك؟
    أومأت الفتيات برؤوسهن علامة الموافقة والترقب لما ستقوله جويرية:
    - عليها بالصبر ومجاهدة نفسها وإشغال قلبها بحب الخير لجميع من حولها، أهلها والديها وإخوتها وأقاربها وجيرانها ومعلماتها وصديقاتها، وتحتسب الأجر من الله فإن المؤمن لا يشاك شوكة إلا وكتب الله له بها أجر، كما ورد عن الحبيب صلى الله عليه وسلم، فكيف إن كان الشوك في القلب!! ولتثق بالله وتلتجئ إليه وهي تعلم علم اليقين بأن الله سيعوضها خيرا كثيرا، (ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه)،..
    جاهدت انتصار لإخفاء دمعاتها وهي تشعر بأن ما تسمعه اليوم هي رسالة من الله لها، في حين ختمت جويرية الدرس بقولها:
    - إن الله يدعونا لتطبيق شريعته التي تضمن لنا السلام مع أنفسنا ومجتمعنا، مع احتواء المشاعر النبيلة في جو طاهر، وكما قرأتن في الأسطورة لقد آمن الناس آنذاك أنه لا يمكن لطاهرة أن يمسها إلا طاهر مثلها، وهذا مصداق لقوله تعالى: ( الطيبات للطيبون والطيبون للطيبات)، إنها دعوة للطهارة، فلا تضعن أنفسكن في مواطن الشبهات..
    وصمتت قليلا قبل أن تسألهن باهتمام:
    - هل سمعتن عن مملكة شيلاس ومصيرها؟؟
    خيم صمت غريب تبادلت فيه الفتيات النظرات المتسائلة، فأجابت انتصار بتردد:
    - قرأت في عدد من كتب الحوادث والايام؛ أن المسلمين هم من اشعل النيران في قصر آخر ملوكها، لتزول المملكة بعدها وتصبح أراضيها تبعا لمملكة رامان..
    ابتسمت جويرية:
    - أجل، هذا ما تقوله بعض الروايات، فرغم انه لم يمضي على زوال مملكة شيلاس أكثر من ثمان سنوات، إلا أن هناك العديد من الروايات المتضاربة فيما بينها في تفسير ما حدث، حتى أن هناك من ينسب نشوب ذلك الحريق لبعض المندسين من مملكة رامان..
    والتقطت نفسا قبل أن تعقب:
    - بغض النظر عن الطريقة التي انهارت فيها تلك المملكة العظيمة، والتي تضارب الرواة في سرد تفاصيلها، نحن متفقون على ان أمرها قد انتهى وأصبحت أثرا بعد خبر، اليس كذلك؟؟
    أومأت الفتيات بالايجاب، فتابعت جويرية:
    - كنّ على ثقة يا عزيزاتي بأن الممالك العظيمة لا تنهار من الخارج، إلا إذا انهارت من الداخل أولا! وبالأخص؛ إذا انهار السبب الذي أُقيمت عليه..
    بدا الوجوم على وجوه الفتيات، فوضحت جويرية كلامها أكثر بقولها:
    - الاسطورة التي دار حولها النقاش قبل قليل؛ من أشهر اساطير مملكة شيلاس، والتي تعني الطهارة كما ورد في الاسطورة. وبغض النظر عن مدى واقعية أحداثها؛ إلا انها تُلقي ضوءا على طريقة تفكير أهل تلك المملكة العظيمة، والتي انعكست بلا شك على تصرفاتهم، فكانت (الطهارة) من أهم الأسس في حياتهم..
    عندها لمعت عينا سارة بحماسة مفاجئة، لاحظتها جويرية، فقالت بابتسامة مشجعة:
    - ماذا لديك يا سارة؟ هل وصلتك الفكرة؟
    هزت سارة رأسها بسرور واضح:
    - أظنك تقصدين يا آنسة، بأن هذا الاساس القائم على الطهارة قد انهار لديهم، فانهارت المملكة، اليس كذلك؟
    أومأت جويرية برأسها موافقة:
    - هذا صحيح، وانني أميل لتصديق رواية تقول بأن ابن الملك (جاندير)- آخر ملوك شيلاس- قد اعتدى على ابنة راعي فقير، وخان دماء عائلته الطاهرة، فحاول الملك التستر على ابنه، متجاهلا فداحة الجرم الذي اقترفه، بل إنه حاول استخدام سلطته؛ لإسكات الراعي الذي طالب بحق ابنته المعتدى عليها، فحلت الكارثة!! ويقال أن اليوم الذي أُحرق فيه قصر الملك جاندير، هو اليوم الذي يلي حفل توليته لابنه منصب ولاية العهد!
    وقبل أن تقول كفارة المجلس، قالت انتصار بحياء:
    - هلا ذكرت لنا خلاصة الدرس في حكمة قصيرة يسهل حفظها؟
    ابتسمت جويرية وقالت بعد برهة:
    - "قلبك ليس ملكك ولكن اللجام بيدك فاستعيني بالله على الترويض"
    ثم استدركت قائلة:
    - لذلك كان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك" وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
    استأذنت لينا جويرية طالبة منها حديثا خاصا بعد انتهاء الدرس، وبعد أن وقفت معها جويرية في احدى الزوايا، قالت لينا:
    - لا أعرف من أين أبدأ يا آنسة جويرية ولكنني بعد أن أعطيت الأسطورة لابنة جيراننا وهي صديقتي المقربة، أعادت لي القصة مع أختها الصغيرة وأرفقتها برسالة، ولم أعرف كيف أرد عليها أو أقف إلى جانبها..
    وصمتت لينا فلم تعرف كيف تشرح أكثر فناولت ورقة صغيرة لجويرية التي فتحتها، لتقرأ فيها:
    "اغرورقت عيناي دمعا بسبب جوريا، هل تذكرين حين كنت ملاكا!! هل لي برثاء نفسي؟؟؟ "
    وبدلا من أن تطرح جويرية مزيدا من الأسئلة والاستفسارات كما توقعت لينا، اكتفت بنزع ورقة من كراسة تحملها وكتبت عليها شيئا، ثم ناولتها لها بعد أن طوتها قائلة:
    - أعطي هذه الورقة لصديقتك يا عزيزتي، وقولي لها إن الله ستّير يحب الستر..
    فوجئت لينا بردة فعل جويرية، فسألتها:
    - هل بإمكاني قراءتها؟
    ابتسمت جويرية:
    - بكل تأكيد..
    فأسرعت لينا تفتح الرسالة لتقرأ فيها:
    "أختي الحبيبة.. أعلم كم يضيق صدرك ألما حين تلتفتين يمنة ويسرة بين صديقاتك فتشعرين بالدونية بينهم.. لكن صدقيني؛ الله وحده كفيل بأن يجعلك عزيزة بين قومك.. ولربما هذه دونية بينك وبين الله وحده يحبها هو.. يحب أن يراك تدعين وتناجين وتستغفرين.. فربما ملائكيتك التي تخيلتِها لم تعرّفك على الله الغفور الرحيم، ومدى افتقارك إليه.. ربما أشعرتك بالكمال الوهمي والاعتزاز بالنفس والعجب بها.. ولربما احتقرت من يقترف مثل هذه الذنوب، وهذا في ملكوت الله أقبح من الذنب الذي فعلت!! بالتأكيد ما حدث كان بينك وبين الله .. وقد سترها عليك حين كنت في معصية.. فكيف لن يسترها عليك في حال التوبة.. بل سيعزك ويرفع شأنك بين قومك فلا تشعري بالذل معهم.. وهنيئا ومباركا عليك أن أصبحت بشرا.. فلإن كان الله قد أوحى إلى رسولنا وحبيبنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ)، وجعل ذلك تشريفا له وهو أفضل الخلق أجمعين، فكيف لنا أن نحزن لغلبة طبع البشرية علينا!! لقد خلقنا الله بشرا نخطئ ونصيب وفضلنا على الملائكة الذين جبلوا على الطاعة، فلو لم نكن نخطئ لما شرع الله لنا التوبة وجعل لها أجرا عظيما، وكما روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم بما معناه (لو لم تكونوا تخطئون لذهب الله بكم وأتى بقوم يخطئون فيتوبون فيتوب الله عليهم).. فهنيئا لك علاقتك الخاصة مع الله، ذات الطعم المختلف والتي يختص الله بها من يشاء من عباده؛ ليفتح لهم بابا في السماء مختلفا عن باقي الأبواب.. هنيئا لك باب التوبة.. فابتهجي وافرحي بعظيم فضل الله، فوالله لو بلغت ذنوبنا عنان السماء، فإنها لا تساوي شيئا أمام رحمة الله الذي يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات،
    ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ..
    قد تظنين بأن هذه مجرد عبارات لا تداوي ألمك الكبير، ولكن ثقي بأن الله على كل شيء قدير.."
    فما كان من لينا إلا أن حضنت جويرية بشكل عفوي وعيناها مبللتان بالدموع:
    - شكرا لك يا آنسة، جزاك الله خيرا..
    ثم انتبهت لنفسها، فاعتذرت:
    - سامحيني ولكنني.. في الحقيقة…
    وتلعثمت لينا وهي تحاول تبرير تصرفها فربتت جويرية على كتفها مطمئنة:
    - لا تهتمي يا حبيبتي فأنت أختي الصغيرة..
    قالت لينا متأثرة:
    - الحمد لله هناك أمل، لقد كان درسك اليوم رائعا جدا يا آنسة فادعي الله لنا بالثبات..
    وقبل أن ترد جويرية بشيء انتبهت مع الجميع على صوت جلبة خارج الجامع..

    ***

    كان علاء يهم بالخروج من الجامع ليلتحق بأصدقائه عندما وصلت ثلاث عربات فارهة تدل على أنها ملك لأحد الأثرياء، لتقف في باحة جامع الفتح، مما أثار فضول الناس فتجمهروا حولها، وهم يشاهدون سائق العربة الأولى- وهي أكثرها فخامة- ينزل ليفتح الباب لسيده، وما هي إلا لحظات حتى ترجل منها رجل أشيب الشعر، صارم الملامح، أنيق الملابس لا يخفى على من يراه علو مكانته وسعة نفوذه..
    فهتف حسام الذي وقف مع أصدقائه غير بعيد عنه:
    - غريب.. إنه تاجر الذهب الكبير فاخر شفيع، ما الذي أتى به يا ترى!!
    فسأله أصيل بتعجب:
    - و كيف عرفت أنه هو؟؟
    بوغت حسام بسؤاله ووجد نفسه في مأزق فلا أحد من أصدقائه غير طلال يعرف عن مكانة أسرته، ولم يكن يرغب هو بذلك فكيف له أن يخبرهم الآن بأنه التقاه في عطلة العام الماضي عندما جاء لزيارة والده في منطقة التلال لمناقشة بعض الشؤون التجارية، لكن طلال أسرع يرد نيابة عنه:
    - وهل هناك من لا يعرف التاجر الشهير فاخر شفيع!!
    فقال أصيل:
    - بالطبع سمعنا عن فاخر شفيع وإنما قصدت كيف عرف شكله!
    ومن لطف الله بحسام أن ساند حسان كلام طلال بقوله:
    - لقد رأينا صورة له في جدار الأخبار، ألا تذكر؟؟
    فهز أصيل رأسه موافقا:
    - ربما..
    و همس معاذ في أذن زيد:
    - لا شك أنه والد الفتاة!
    أما حسام فقد حاول أن يتوارى عن مجال الرؤية خشية أن يتذكره التاجر فاخر شفيع فيضعه في موقف حرج، خاصة عندما اقترب منهم يسألهم:
    - هل نجد هنا الشيخ عبد الرحيم؟
    فأجاب زيد- الذي أخبره والده مسبقا عن هذه الزيارة:
    - أجل يا عم تفضل إلى المنزل إن سمحت فأنا ابنه زيد..
    فالتفت فاخر إلى رجاله الذين أحاطوا به:
    - انتظروني هنا فأنا أريد التحدث مع الشيخ على انفراد..
    فاقترب منه رجل ضخم بدا وكأنه مرافقه الملازم له أو حارسه الشخصي:
    - ولكن يا سيدي..
    فقاطعه فاخر بنبرة صارمة:
    - كلامي واضح!
    ثم سار خلف زيد الذي أدخله إلى صالة الاستقبال في المنزل، وأسرع بتقديم كأس من شراب البرتقال الطازج له قائلا:
    - تفضل يا عم فسيأتي أبي حالا..
    لكن فاخر اعتذر بقوله:
    - شكرا لك سأكتفي بكوب الماء..
    و ما هي إلا لحظات حتى دخل فيها الشيخ عبد الرحيم مسلما ومرحبا بضيفه فانسل زيد خارجا وأغلق الباب خلفه..
    ارتبكت انتصار قليلا عندما عرفت بأن والدها جاء لاصطحابها، لكن ميمونة طمأنتها بقولها:
    - لا تقلقي يا عزيزتي فقد ذهب والدي للقائه اليوم قبل المغرب وتحدث معه شارحا الموقف، وقد جاء بعد العشاء كما أخبر والدي ليأخذك معه فاطمئني، سيكون كل شيء على ما يرام بإذن الله..
    فأومأت انتصار برأسها:
    - أرجو ذلك!
    وهمت بأن تقول شيئا لكنها أحجمت عن ذلك، فسألتها ميمونة:
    - هل هناك شيء؟
    فهزت انتصار رأسها بالنفي:
    - لا شيء ذا بال..
    لكن ميمونة أصرت عليها فقالت انتصار باسمة:
    - تذكرت حكمة خالتي فأحجمت عن طلب ما كنت أريده..
    ثم تابعت قائلة:
    - استأذنك يا ميمونة، فسأرتدي ثوبي وأعد نفسي لأذهب مع أبي..
    فابتسمت ميمونة وقد أدركت ما جال بخاطر انتصار:
    - حسنا يا عزيزتي وآمل منك أن تتصرفي بحكمة حتى يتسنى لك زيارتنا أو حضور عرس جويرية في العيد إن شاء الله على الأقل!
    فقالت انتصار بلهجة متفائلة:
    - إن شاء الله..
    وما إن انتهت انتصار من تمشيط شعرها- بعد أن ارتدت ثوبها الفاخر- حتى جاءت حفصة مسرعة وهي تقول:
    - أبي يقول بأن والد انتصار ينتظرها في صالة الاستقبال..
    فعانقت انتصار ميمونة:
    - جزاك الله خيرا يا صديقتي العزيزة، كم أنا سعيدة بصداقتك
    قالت ميمونة:
    - صداقتك شرف لي أيضا يا انتصار، أحمد الله أن أتاح لي الالتقاء بصديقة رائعة مثلك
    واحتضنتها جويرية:
    - اعتني بنفسك جيدا، وتفاءلي بالخير، فلن يضيع الله أجر من أحسن عملا..
    فقالت انتصار، بامتنان:
    - لن أنسى دروسك أبدا يا جويرية، لقد كانت بلسما شافيا لآلامي فجزاك الله خيرا..
    وبصعوبة حاولت السيدة رغدة حبس دموعها وهي تضمها إلى صدرها بحنان:
    - استودعك الله يا ابنتي، حفظك الله من كل سوء..
    فلم تملك انتصار دموعها قائلة:
    - جزاك الله خيرا يا خالة، لقد كنت بمثابة خالتي التي أحببتها، ولن أنسى حنانك وعطفك علي أبدا، جزاك الله خيرا..
    وطبعت انتصار قبلة على وجنة حفصة:
    - لا تنسيني من دعواتك أيتها الجميلة..
    فاحمرت وجنتا حفصة وهي ترد بخجل:
    - إن شاء الله، إلى اللقاء..
    لم تكد عينا فاخر شفيع تقعان على ابنته وهي بكامل صحتها وعافيتها، حتى تهلل وجهه بشرا وسعادة ونهض من مكانه محتضنا ابنته التي أسرعت نحوه تعانقه، في حين أرخى الشيخ عبد الرحيم عينيه تأثرا بعد أن استطاع بتوفيق الله الحصول على ثقة فاخر شفيع وكسب وده أيضا، ولم يملك فاخر في نهاية الجلسة وهو يهم بالخروج مصطحبا ابنته إلا أن يقول:
    - أشكرك أيها الشيخ النبيل على كرمك وحسن ضيافتك..
    وأخرج من جيبه محفظة مزركشة ممتلئة بالنقود، متابعا:
    - أرجو أن تقبل هذه المكافأة، فقد خصصتها لمن يجد ابنتي الوحيدة لكنني خشيت الإعلان عنها خوفا على ابنتي من أن تقع في أيدي اللصوص وقطاع الطرق..
    فرد عليه الشيخ عبد الرحيم معتذرا بحزم:
    - أستميحك عذرا و أقدر موقفك، ولكنني لا يمكنني قبولها بأي شكل، فلم أقم إلا بواجبي وابنتك في مقام بناتي، فاعذرني إن لم أقبلها..
    فوجئ فاخر شفيع برد الشيخ عبد الرحيم، ولم يُجدِ إلحاحه نفعا أمام إصرار الشيخ على موقفه، فشد على يده قائلا:
    - لا أعرف كيف يمكنني مكافأتك أيها الشيخ الجليل؛ فجميلك هذا دين في عنقي، ولكن عدني أن لا تتردد في أن تخبرني إن احتجت إلى أي شيء..
    ولم تنس انتصار أن تشكر الشيخ بقولها:
    - جزاك الله خيرا يا عمي..
    فردد الشيخ:
    - حفظك الله يا ابنتي ورعاك وجعلك قرة عين لوالدك..


    ***


    لم يغمض لعلاء جفن وظل فكره مشغولاً بما دار بينه وبين أصدقائه تلك الليلة، فقد عرفوا بما أخبره به المدير حول موضوع ترشحه، بعد أن حصره أصيل في زاوية ضيقة بعد التراويح ملحا عليه ان لا يخفي عنهم شيئا، فلم يجد بدا من اخبارهم بما أخبره به المدير متحاشيا ذكر خبر رسالة حذيفة، حتى زيد الذي انشغل قليلا مع ذلك الضيف، عاد بسرعة ليبدي استعداده مع بقية الأصدقاء لمساعدته والوقوف إلى جانبه بأقصى ما يستطيعيون، وأخذ لوم أصيل يرن في أذنه "لماذا لم تخبرنا بذلك منذ البداية، حتى نفكر معا في حلّ مناسب" وعندما برر موقفه بقوله:
    - إن هذا الاختبار اختباري ويفترض أن أقوم بذلك وحدي فهذه مسؤوليتي..
    لم يستطع تمييز أصواتهم المختلطة وقتها وهم يردون عليه بهجوم أفزعه:
    - ومن قال لك هذا؟؟
    - يفترض أننا متعاونون!!
    - ألسنا أخوة؟؟؟
    حتى اضطر أن يعتذر لهم بقوله:
    - لم أقصد ذلك سامحوني، فنحن أخوة بالطبع، كل ما في الأمر أنني لم أشأ إزعاجكم معي..
    تنهد علاء في سره و صور ما حدث تتراقص أمام مخيلته:
    - ماذا عساهم أن يفعلوا!! فلو جُمعت جميع مدخراتهم لن تغطي أكثر من عشر المبلغ المطلوب في أحسن الأحوال!! لم يبق سوى تسعة أيام لديّ و عليّ خلالها إعادة المبلغ كاملا وتسليمه لمستحقيه، وليتها تسعة أيام خالصة إذاً لهان الأمر.. لدينا الكثير من الواجبات والتدريبات عوضا عن اختبارات الدروس النظامية، وعليّ أن أحرز فيها سبعين جزءا على الأقل حتى أنتقل إلى المستوى السابع.. وقد مر يوم كامل ونصف يوم، منذ أن أخبرني المدير بما عليّ فعله لأرشح لاختبار مرتبة مقدام، دون أي إنجاز يذكر.. يارب ماذا عساي أن أفعل.. أريد أن انتقل إلى مرتبة مقدام بسرعة، فالأيام تجري، وأمي وأبي وأخي بانتظاري.. ترى ما هي أخبارهم الآن؟؟ هل ما زال بهاء يذكرني؟؟ أرجو ذلك فهو صغير جدا وبالكاد بدأ يردد بعض الكلمات، ولكنني أريده أن يفخر بأخيه الكبير، فسأكون قدوة له كما طلب مني والدي..
    ولاحت في ذهنه ذكرى ذلك اليوم الذي زف والده لهم فيه البشرى عندما كان في التاسعة والنصف من عمره تقريبا، كان يبذل جهده ليأخذ دور الأخ الكبير بحق، وهو يحاول تهدئة اخته هناء ذات السبعة أعوام- والتي انخرطت في البكاء قلقا على والدتها المتعبة- قائلا:
    - اطمئني يا أختي فستكون أمي بخير إن شاء الله، كفي عن البكاء أرجوك..
    وما هي إلا لحظات حتى خرج والدهما من غرفة الولادة هاتفا بفرح:
    - أبشرا فقد جاءكما أخ صغير..
    لكن هناء أسرعت نحو والدها تحتضنه:
    - وكيف حال أمي؟ أريد أن أراها..
    فربت والدها على شعرها وهو يضمها إليه:
    - الحمد لله أمك بخير ولكنها نائمة الآن، وقد أصبحتِ منذ هذه اللحظة أخت كبيرة، فاستعدي لمعاونة أمك في رعاية أخاك الصغير..
    لكن هناء ردت بعبوس:
    - أنا أريد أختا أما هذا فأخو علاء!! لقد أصبح لدينا ولدان وأنا بنت واحدة!! هذا ليس عدلا!!
    فضحك والدها قائلا:
    - ولكنه أخوك الصغير وسيحتاجك أكثر من علاء، فالاولاد لا يحسنون العناية بالأطفال!
    قالت هناء بتعجب:
    - حقا!!
    ثم هتفت فجأة بحماسة:
    - إذن سأسميه أنا.. أرجوك يا أبي دعني أختار له اسما يعجبني..
    فسألها والدها:
    - وماذا ستسمينه يا هناء؟؟
    فأخذت هناء تدق بطرف سبابتها اليمنى على ذقنها، وهي مطرقة برأسها دلالة على التفكير العميق، قبل أن تقول:
    - بهاء... هناء وبهاء اسمان متشابهان، ما رأيك يا أبي؟؟
    فابتسم والدها:
    - حسنا يا عزيزتي لا مانع لدي، ولكن علينا أن نسأل أمك اولا، فما رأيك أنت يا علاء؟
    فابتسم علاء وهو يحاول التحدث بلهجة تتناسب مع دور الأخ الكبير:
    - فكرة جيدة فالاسم جميل..
    انتبه علاء من ذكرياته تلك على واقعه، فدمعت عيناه.. لقد قتلت أخته هناء، وهو لا يعرف بعد ما هي أخبار والديه وأخيه، لكنه جفف دموعه بسرعة و أخذ يفكر بجدية، فلا وقت لديه الان ليبكي على الماضي، فأمامه مهمات كثيرة وعليه إنجازها.. وأخذ يحادث نفسه:
    - ماذا علي أن أفعل الآن، وبم أبدأ؟؟ ساعدني يارب.. ربما علي التفكير أولا بجمع المال..
    ولاحت في مخيلته صورة ضيف الشيخ عبد الرحيم، وما تحدث به أصدقاؤه عن ثرائه الفاحش، فتساءل:
    - يبدو أن للشيخ عبد الرحيم صلة به، فهل يمكنني اقتراض المال منه ثم أرده له فيما بعد!! فثري مثله لن يضره إقراضي عشرة آلاف قطعة نقدية، فهي بلا شك مبلغ زهيد بالنسبة له، بالطبع سأحرص أن لا يعرف الشيخ عبد الرحيم ما أنوي فعله، فربما أحرجه معي، سأذهب إلى فاخر شفيع وحدي وأخبره أنني صديق زيد ابن الشيخ عبد الرحيم وأطلب منه أن يبقي الامر سرا بيننا..
    لكنه سرعان ما طرد الفكرة من رأسه:
    - ما هذا الهراء الذي أفكر فيه، فأنا سأرد له المال على أية حال ولن أقبل شفقة من أحد، لذا من الأفضل أن أدبر أموري بنفسي من الآن.. الحل الوحيد هو مواجهة فاتك وهذا يتطلب مني المزيد من التدريبات، إذن علي التركيز فيها بشكل كبير، والحمد لله بدأت أحرز تقدما في ذلك بشهادة المدربين..
    وسمح علاء لنفسه بابتسامة مشجعة وهو يشعر بالرضا مستذكرا مديح المدرب سعد له هذا اليوم، رغم أنه لم يلق بالا لثنائه عليه في ذلك الوقت، عوضا عن كلمات الإعجاب التي أمطره بها المدرب جهاد من قبل أثناء مبارزته لحسان وياسر، لكنه سرعان ما انتبه لنفسه فلم يسمح لها بالغرق في تلك الأفكار الممتعة كثيرا، وهو يراجع ما عليه إنجازه مخاطبا نفسه:
    - بعد غد الثلاثاء لدينا اختبار في علم الحساب وعلم الطبيعة والفلك وعلم الحياة، وبعده لدينا اختبار في أشكال الأرض والبلاد والحوادث والأيام، والخميس لدينا اختبار في لغة العرب و لغتي رامان وسومار، هذا بالإضافة إلى التقرير الذي علي أن أبدأ في إعداده لدرس الأخلاق والآداب عن الصبر فقد تأخرت كثيرا.. حقا كم أحتاج إلى الصبر لاحتمال كل هذا!! ولكن لا بأس فسأكتب من واقع الحال الذي أعيشه، ثم إن علينا تسليم التقرير بعد العيد إن شاء الله وما زال أمامنا متسع من الوقت، فلا داعي للتفكير فيه من الآن فهناك أمور اكثر أهمية.. أظن أن علي التركيز على علم الحياة وأشكال الارض والبلاد ولغة سومار، فدروسها أكثر ما أواجه فيها من صعوبات، رغم أنني قطعت شوطا كبيرا في لغة سومار مع طلال جزاه الله خيرا.. ولكن كيف سأنظم وقتي بين كل هذه الأمور!! من لطف الله بي أنني أضطر لحل واجباتي مع طلال وحسام وإلا لما وجدت الوقت الكافي لذلك، وبما انني لن أمارس أيا من التدريبات في الليل ولن أستطيع فعل شيء من هذا القبيل، فسأركز على الدراسة من أجل الاختبارات، فربما لن أجد لها وقتا في النهار إذا بدأتُ بالإعداد لمواجهة فاتك..
    وأطلق زفرة لم تتجاوز حدود صدره:
    - هل سأتمكن حقا من مواجهة فاتك!! ربما يكفيني يوم واحد لذلك، سأكون حذرا وأتسلل إلى مخبئه بهدوء فهدفي هو استرجاع المال لا مقاتلته في الوقت الراهن! فهل أغامر بتأجيل ذلك لآخر يوم قبل الترشيح!! لا أظنني استطيع المجازفة فربما لم أجده حينها.. ولكن كيف لي العثور على مكمنه!! لا بد أن أبدأ بالبحث والتحري عن ذلك في أسرع وقت، وسأبدأ من ذلك المكان الذي التقيتهم فيه أول مرة.. سأفتعل أي شيء لتحقيق هدفي ولن أتراجع..
    راقت الفكرة لعلاء كثيرا، وحازت على استحسانه، لكنه استدرك وقد فطن إلى شيء هام:
    - هل علي إخبار أصدقائي بما أنوي الإقدام عليه! كلا من الأفضل أن لا أفعل؛ فربما يعارضون الفكرة، ويعيقون خطتي..
    ثم عصر رأسه بيديه:
    - المشكلة ان اليوم هو الأحد، ولا وقت لدي يمكنني التسلل فيه غدا، فمن بعد شروق الشمس وحتى الظهيرة سنكون في قاعة الدروس ولا يمكنني التغيب عنها وإلا أثرت الشكوك من حولي، وسنبدأ التدريبات بعد صلاة الظهر مباشرة وحتى العصر، وبالطبع لا يمكنني التغيب عنها أيضا لا سيما تدريب الركوب مع المدرب ثابت! ثم إنني بحاجة إلى تلك التدريبات على أية حال، أما بعد العصر.. فلن أستطيع إيجاد عذر يسوغ تغيبي عن حلقة المراجعة مع الأصدقاء!!!
    واستدرك فجأة وقد لاح بريق أمل لديه:
    - حسنا لا بأس، فلا توجد لدينا تدريبات بعد ظهيرة الثلاثاء وسأتمكن من تنفيذ خطتي في ذلك الوقت، انها فرصتي الوحيدة.. لذا علي استغلال الوقت حتى ذلك الحين، وإعداد نفسي لاختبارات الأربعاء فربما لا أجد وقتا كافيا للدراسة، وستكون فرصة مناسبة للتحري عن أي معلومة تفيدني في العثور على مخبأ فاتك دون أن الفت الأنظار..
    وشعر علاء بالارتياح الشديد لما توصل إليه، فقفز من سريره وقد طار النوم من عينيه نهائيا وهو يعقد العزم على تكثيف جهوده في الدراسة منذ هذه اللحظة، ألقى نظرة على صديقيه اللذين يغطان في نوم عميق، ثم نظر من النافذة إلى النجوم المتشابكة.. ما زال الليل في ثلثه الأوسط، فردد في اعماق نفسه:
    - يارب أعني فلا حول ولا قوة لي إلا بك..
    وتذكر كلمات والده التي ما نسيها أبدا "يا بني إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر هرع إلى الصلاة"، ففتح علاء باب الغرفة وأغلقه خلفه متسللا بهدوء خارج الغرفة متجها نحو الميضأة ليؤدي ركعتين، استخار الله فيهما على ما ينوي فعله..

    ***


    فتح علاء عينيه بصعوبة على صوت حسام، الذي أخذ يهزه برفق بيده اليسرى فيما حمل كوبا من الماء بيده اليمنى:
    - لقد أنهينا تناول طعام السحور وأنت لا زلت نائماً! هيا يا علاء اشرب كوبا من الماء على الأقل فأمامك تدريبات ولدينا دروس كثيرة هذا اليوم.. سيرفع أذان الفجر بعد لحظات معدودة..هيا انهض يا صديقي..
    وما إن شرب علاء آخر ما في الكوب؛ حتى تردد صوت الآذان في الآفاق ليشق سكون الليل..
    لاذ علاء بالصمت في الطريق إلى الجامع متحاشيا أي كلام مع صديقيه خشية أن يزل لسانه بما عقد عزمه عليه الليلة، ولم يخف عليهما ملاحظة ذلك لكنهما آثرا تركه لحال سبيله في الوقت الراهن..
    ورغم محاولات علاء الجاهدة لإخفاء أي أثر لسهره إلا أنه لم يستطع مقاومة النعاس الذي غلبه بعد عودته من صلاة الفجر، فطلب من حسام- الذي رجع معه بعد الصلاة- أن يوقظه عندما يحين موعد المدرسة..
    وأمام ذلك كله لم يجد حسام بدا من تنفيذ ما عزم عليه هو الآخر، وقد بدأ القلق يأخذ مبلغه في نفسه، فأشعل مصباحه الزيتي وهو يحرص على أن لا ينتشر شعاعه بالغرفة و فتح خزانته بهدوء باحثا عن بعض الأوراق الخاصة التي يضعها هناك، قبل أن يسير على أطراف أصابعه خارجا من الغرفة خشية أن يزعج علاء الذي بدا يتنفس بعمق ورتابة دلالة على دخوله مرحلة النوم العميق..
    وفي القاعة الكبيرة المخصصة للدراسة في آخر الممر، جلس حسام على الكرسي الذي اعتاد الجلوس عليه أثناء دراسته، وحمد الله في سره إذ لم يكن أحد هناك، فقد كان بحاجة إلى التركيز الشديد فيما ينوي فعله، وبعد أن جمع أفكاره؛ تجاوز تردده وانهمك في الكتابة، وقبل أن يملأ الورقة الأولى فوجيء بطلال يدخل عليه محييّا، وبحركة لا إرادية ارتبكت يداه وهو يحاول إخفاء ما يكتبه، فحاول تدارك نفسه وهو يرد السلام بابتسامة مصطنعة:
    - ظننتك ما زلت تقرأ القرآن في الجامع حتى يحين موعد الشروق!
    فرد طلال:
    - لقد أنهيت وردي ولله الحمد، ثم تذكرتك فأسرعت للإطمئنان عليك.. لقد صدق حدسي للأسف!!
    بدا التعجب على وجه حسام دون أن يفهم شيئا، فتابع طلال:
    - تكتب رسالة لوالدك من أجل مساعدة علاء، أليس كذلك!!
    بوغت حسام من ذلك الاستنتاج، فسأله بدهشة:
    - وكيف عرفت؟؟
    فابتسم طلال وهو يسحب كرسيا ليجلس قرب حسام، بعد أن أغلق باب القاعة قائلا:
    - لن أكون صديقك المقرب إن لم أفهم ما تفكر به يا صديقي العزيز!
    استغل حسام هذه الفرصة ليطلق نكاته المعتادة:
    - بدأ الغرور يلعب دوره معك من جديد، وها قد أغلقت الباب حتى لا تترك لي فرصة للاستنجاد بالآخرين.. الله يسترني..
    لكن طلال تابع كلامه بجدية:
    - دعك من هذا الآن، و تذكر يوم أن قطعت عهدا على نفسك في أن تبدأ حياتك بعيدا عن ثروة والدك وجاهه مستغلا وجود المدرسة في منطقة أخرى بعيدة عن منطقة التلال، وبذلت جهدا كبيرا لتقنعه بأن لا يبعث لك بأي نقود إضافية مقنعا إياه بأنك ستكتفي بالمبلغ الذي تخصصه المدرسة لطلابها، لقد جئت إلى هنا وكلك أمل أن تبني نفسك بنفسك، فأخفيت عن الجميع حقيقة أسرتك، ولولا أنه من حق المدير أن يعرف عنك عندما تقدمت لاختبار المدرسة أول مرة لما أخبرته، لقد طلبت منه بشدة وقتها أن يحفظ سرك ففعل مرحبا بفكرتك، ثم تكلفت عناء التغيير الذي طرأ على بيئتك بعد أن اعتدت حياة الرفاهية والترف، وتحملت الكثير حتى تتكيف مع الظروف الجديدة، وها قد مرت سنتان ونصف؛ نجحت فيها من تحقيق ذلك بفضل الله وتوفيقه، فهل ستفسد الأمر كله الآن؟؟
    ورغم تأثر حسام بما قاله طلال، إلا أنه رد بإصرار:
    - ومن قال لك بأنني سأفسد ذلك!! فلن يعلم أحد من أين أحضرت النقود!
    فقال طلال:
    - لا تكن متغابيا بهذا الشكل، هل تظن أنه من السهولة تصديق إحضارك لعشرة آلاف قطعة نقدية دون إثارة التساؤلات حولك، أم أنك ستلقيها تحت قدمي علاء وتهرب متظاهرا بأنك لا تعرف شيئا!! هذه ليست قصة خيالية تسمح فيها لخيالك الخصب بأن يملي عليك ما تفعله! كن جادا يا حسام ولو لمرة واحدة أرجوك!!
    ورغم أن تشبيه طلال الساخر أثار ضحك حسام، لكنه كتمه مكتفيا بالابتسام تقديرا لما يفعله طلال من أجله، وقد بدا عليه الاقتناع بما قاله، فأخذ الرسالة ومزقها قائلا:
    - للأسف أقنعتني!! جزاك الله خيرا على كل حال، ولكن هل لديك حل آخر أيها الذكي؟؟
    لم يبال طلال بذلك التعليق الذي اعتاد عليه، بل أجابه مبتسما:
    - بالتأكيد هناك حل، المهم أن ترجع للتصرف وحدك خارج نفوذ والدك..
    فقال حسام:
    - وماذا عنك أنت!! ألا يهمك أمر علاء!! ألم تر حالته بالأمس واليوم، أخشى أن يؤثر ذلك على دراسته خاصة ونحن على أبواب الاختبارات!
    أطرق طلال برأسه متأثرا:
    - ومن قال ذلك!! هل أبدو قاسيا إلى ذلك الحد! بالتأكيد يهمني، بل ويهمني جدا.. ولكن ليس من أجل ما تفكر فيه الآن.. فلست قلقا كثيرا بشأن موضوع ترشح علاء بقدر ما يقلقني...
    و بتر جملته متنهدا قبل أن يقول:
    - في الحقيقة إنني قلق جدا بشأن الوثيقة!
    فوجيء حسام بكلام طلال الذي بدا غريبا بالنسبة له:
    - غريب!!! لم يبد ذلك عليك أبدا، لقد كنت تتصرف طوال الوقت بشكل طبيعي جدا ما شاء الله، بعد أن أقنعت علاء بضرورة إطلاع الشيخ عبد الرحيم عليها ففعل.. لقد فاجأتني بقولك الآن!!!
    قال طلال:
    - لا أخفيك سرا يا صديقي فقد فاتحت الشيخ عبد الرحيم بما يجول بخاطري بعدها دون علم علاء إذ لم أشأ أن أشعره بحقيقة مخاوفي فأزيد قلقه، كنت أحاول البحث عن طريقة يمكننا من خلالها تجاوز الخطر المرتقب.. لكن الشيخ بدا قلقا أيضا ولم يستطع إخفاء ذلك عني.. أخشى أنه لا خيار أمامنا سوى الانتظار والمواجهة، فما أشبهنا بحراس قلعة تهدمت أبوابها وتصدعت جدرانها ويحاصرها الأعداء من كل جانب..
    بدا الذعر في عيني حسام وهو يقول بتوسل:
    - ما هذا الذي تقوله يا طلال، كن متفائلا أرجوك، لا أحب هذه اللهجة اليائسة أبدا.. ما الذي حدث أرجوك إنني لا أفهم شيئا!!
    رد طلال:
    - ليس يأسا وإنما حذر وترقب، فما ورد في الوثيقة يشير إلى أمور خطيرة جدا تفسر ما حدث في السنوات الماضية، وقد نشهد تغيرات حقيقية في هذا العالم عن قريب، لا سيما وأن مقدساتنا الإسلامية تقع ضمن المناطق المذكورة..
    وتنهد قبل أن يتابع:
    - لم يكن سقوط الخلافة إلا تمهيدا لتنفيذ ما يحاك بالخفاء..
    فتساءل حسام بتوجس:
    - أمور خطيرة تحاك بالخفاء!! ما الذي تعنيه بكلامك هذا يا طلال؟؟
    قال طلال:
    - هذا يعني أننا كلنا مهددون بالخطر وليست مدينة علاء وحدها.. فقد كانت هي البداية فقط!!
    ولم يخف على حسام ملاحظة دمعات لمعت في عيني طلال حاول حبسها جاهدا، فهم منها حسام ما يجول بخاطره من ذكريات أليمة، فقد كان يعرف ماضي صديقه جيدا، فحاول صرف ذهنه عن ذلك الماضي الاليم وهو يقول باسما:
    - أنت تدهشني يا طلال، لم ألحظ عليك كل هذا التأثر من قبل، فكيف تستطيع تجاهل ذلك كله والتركيز على دروسك بشكل طبيعي ما شاء الله؟؟
    ابتسم طلال وقد أدرك مغزى صديقه من هذا الكلام:
    - الحمد لله هذا من فضل ربي، ثم إنه لا خيار آخر؛ فهذه هي الحياة وعلينا أن نحسن التعامل معها بالإستعانة بالله، بل إن التركيز في الدروس وبذل الجهد فيها بشكل أكبر هو من صلب عدم تجاهل ذلك الموضوع..
    فأطلق حسام ضحكة خفيفة معلقا:
    - ما شاء الله.. ما أسرع ما تغتنم الفرص لتنهمر علي بنصائحك القيمة، ما أسهل تطبيق الكلام عندك يا صديقي.. أما بالنسبة لي فالوضع مختلف تماما.. أنت تعرف ذلك..
    فضربه طلال على كتفه براحة يده قائلا:
    - هذا لأنك لا تريد ذلك!
    تنهد حسام:
    - لا نريد أن نعود إلى جدال عقيم مرة أخرى!
    واستطرد قائلا:
    - ما يهمنا الآن هو التفكير بوسيلة نساعد فيها علاء على جمع المال المطلوب، قبل أن يقدم على فعل متهور..
    قال طلال بعد لحظة تفكير:
    - الطريق السليم المعروف لجلب المال هو العمل..
    بدا الاهتمام على وجه حسام وهو يعيد ترديد ما قاله طلال في نفسه، ثم هتف فجأة:
    - تقصد مزاولة الحرف والأعمال التي بدأنا بمزاولتها والتدرب عليها العام الماضي؟؟
    أومأ طلال برأسه إيجابا:
    - بالطبع، وإلا فما فائدة تلك الدروس إن لم تؤد دورها في الوقت المناسب!!
    قال حسام بحماسة:
    - يا لهذه الفكرة الرائعة ما شاء الله سيفاجأ الأصدقاء بها، فلا أظنها ستخطر ببالهم!
    ابتسم طلال:
    - لا تكن منفعلا هكذا فالفكرة بسيطة، وعلى كل حال سنرى ما لدى بقية الأصدقاء من أفكار هذا اليوم، ونتناقش فيها إن شاء الله..
    فقال حسام:
    - بالنسبة لي لقد أعجبتني هذه الفكرة وأنا مستعد لها، فهذه فرصتي لمزاولة النجارة قبل أن أنسى مهارتي فيها!
    فقال طلال:
    - وستكون فرصتي أيضا لمزاولة الحدادة إن شاء الله، فلم أمارسها منذ ذلك الوقت..
    هتف حسام بفرح:
    - هذا رائع، ستروق الفكرة لياسر أيضا، وكذلك حسان وأصيل على ما أظن فهما لا يزالان في مرتبة همام ولديهم متسع من الوقت..
    واستطرد كمن يفكر مع نفسه:
    - أما معاذ وزيد فربما يكون الوضع مختلفا لديهما، فتدريباتنا شاقة هذه الأيام، عوضا عن كونهما مختلفين عنا، فعليهم العودة إلى منازلهم ولديهم بلا شك واجباتهم الأخرى هناك، بالطبع لا نستطيع أن نجزم بذلك فربما تعجبهم الفكرة..
    ثم استدرك فجأة وهو ينظر إلى طلال متسائلا:
    - ولكن ماذا عن علاء؟؟
    فأجابه طلال بثقة:
    - سنساعده في إيجاد عمل مناسب له، أو اختيار حرفة تناسبه كما فعل معنا المعلم أمين السنة الماضية، فهذا واجبنا.. ألا تذكر يوم أن طلب منا المعلمون مساعدته على تعويض ما فاته من قبل! ودرس (العمل والحث عليه)؛ مما فاته ولا شك أنهم كانوا سينبهونه إليه عاجلا أم آجلا، فهو لن يستطيع التخرج برتبة فارس صنديد قبل أن يتقن عملا يكسب منه رزقه..
    ورغم أن الاثنين كانا غارقين حتى النخاع في الحديث، إلا أن طلال انتبه بسرعة لمرور الوقت، فنبه حسام إلى أشعة الشمس التي بدأت تملأ الغرفة بضيائها وهو يختم الحديث بكفارة المجلس:
    - سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
    فنهض حسام بسرعة كالملدوغ:
    - يا إلهي لم اوقظ علاء بعد، سيبدأ الدرس بعد قليل!!
    في حين انتبه طلال للمصباح الذي ما زال يرسل ضوءه هباء متحديا ضوء الشمس، فأطفأه وجمع حاجيات حسام المبعثرة على الطاولة ليعيدها معه إلى الغرفة..
    لم يكد طلال وحسام يدلفان إلى قاعة الدرس، حتى صرخ بهما أصيل:
    - الحمد لله على سلامتكم وكأنكم جئتم مشيا على الأقدام من آخر المدينة، ولستم في الدور الثالث وحسب، لقد جئنا مبكرين خِصّيصاً لمناقشة ما اتفقنا عليه أمس..
    وفي تلك اللحظة دخل علاء الذي استطاع تبديل ملابسه وتجهيز نفسه بسرعة، وقبل أن يكون هناك مجال لإضافة أي كلمة أخرى، دخل المعلم أمين ليبدأ الدرس الأول، وهكذا تلاحقت بقية الدروس لذلك اليوم حتى موعد أذان الظهر دون أن يجد الأصدقاء أدنى فرصة لعرض أي فكرة عوضا عن مناقشتها..
    وقبل أن يتجهوا لصلاة الظهر، ناول زيد كيسا لعلاء على عجالة قائلا:
    - عندما تأخرتم هذا الصباح وضعنا كل ماجمعناه وتمكنا من الحصول عليه في هذا الكيس، صحيح أنه لم يتجاوز المئتين وسبعين قطعة نقدية، ولكن لا بأس فربما تفيد في تغطية المبلغ المطلوب حتى نجد طريقة افضل..
    فابتسم علاء شاكرا:
    - جزاكم الله خيرا، ما كان عليكم أن تتعبوا أنفسكم معي، فسأتدبر أمري إن شاء الله..
    قال معاذ الذي كان يقف إلى جانب زيد:
    - ما هذا الذي تقوله يا علاء لقد تعاهدنا ان نكون يدا واحدة في السراء والضراء فلا تتصرف بأنانية هكذا!! أم تريدنا أن نعيد على مسامعك كلام الأمس!!!
    فاعتذر علاء باسما:
    - لا داعي لذلك..أستميحكم عذرا فلم أقصد..
    ثم أسرع باتجاه الدّرَج قائلا:
    - لا تنتظروني واسبقوني إلى الجامع فسأضع الكيس في الغرفة وأتبعكم..
    وما إن ذهب علاء حتى قال معاذ:
    - يبدو بمزاج جيد هذا اليوم، أليس كذلك؟
    فأومأ زيد برأسه موافقا، في حين أقبل عليهما حسام خارجا من بناء الحمّام في المدرسة وهو يُنزل أكمامه بعد أن فرغ من الوضوء، واتجهوا جميعا نحو الجامع..
    وفي الغرفة أسرع علاء بتناول قلم وورقة كتب عليها المبلغ الذي أخذه من زيد، إضافة إلى المبالغ التي أعطاها له حسام وطلال وكان قد دونها خلسة من قبل، إذ لم يشأ أن يشعرهم بأن ما أخذه منهم لا يعدو كونه دينا ينوي سداده يوما ما، وابتسم في سره وهو يتذكر ملامح حسام أثناء بحثه في جيوبه ومحفظته عن أي قطعة نقدية قد تكون مخبأة هناك بطريق الخطأ، فهو لم يكن من النوع الذي يفكر بادخار المال أبدا، حتى هو لم يكن جيدا بما فيه الكفاية برأيه، فرغم أنه يحصل على عشر قطع نقدية كل أسبوع كغيره من طلبة المدرسة المقيمين فيها، وقد مر على وجوده فيها قرابة ثلاثة أشهر، إلا أنه لم يتبق لديه أكثر من سبع وثلاثين قطعة! وحمد الله أن ألهمه تلك الخطة التي أشاعت السكينة في نفسه، فها هو وأصدقاؤه لم يتمكنوا من جمع أكثر من ثلاثمائة وثمانين قطعة نقدية وقد ساهموا بجميع مدخراتهم التي يملكونها حتى الآن، وهي لا تتجاوز أربعة من المائة من القيمة المطلوبة!!!
    ولم يفق علاء من أفكاره تلك إلا على صوت الإقامة لصلاة الظهر فأسرع يلف الورقة التي أجرى عليها بعض الحسابات ليخبئها في خزانته، قبل ان يهرع باتجاه الجامع..
    انهى الإمام صلاة الظهر، فقام علاء ليعوض الركعة التي فاتته، وبعد أن انتهى من صلاته شرع بأداء ركعتي السنة، فهمس أصيل في أذن حسان:
    - يبدو أننا سنؤجل مناقشة أفكارنا بشأن جمع المال لما بعد العصر، فسيبدأ تدريب الركوب مع المدرب ثابت بعد قليل ولا مجال للحديث في أي شيء!
    سار حسام إلى جانب طلال برفقة معاذ وزيد وهم يتجهون إلى حلبة المبارزة والقلق باد عليه، فرغم أن علاء بدا في أفضل حالاته إلا أن ذلك لم يكن مؤشرا يدفع حسام للإطمئنان وقد استرجع في ذاكرته ما ذكره علاء عن موضوع مواجهة فاتك قبل يومين تقريبا، وتمتم مرددا:
    - لا أظنه نسي موضوع جمع المال الذي كان شغله الشاغل بهذه السرعة، أخشى أن يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة..
    ولم يعلق طلال بكلمة واحدة.. فقد راوده الشعور نفسه...

    ***

    ترى.. ما الذي يخطط علاء لفعله؟

    وهل سينجح في جمع المال المطلوب؟

    وكيف سيكون موقف أصدقائه منه؟؟


    الكثير من الأحداث الشائقة والمثيرة تنتظركم في الحلقة القادمة إن شاء الله.. فترقبوها..
    ولا تنسونا من صالح دعائكم ^^

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


    أهلا بكم في رواية الأنمي العربية الأولى من نوعها "مدرسة الفروسية" على مغامرات:

    رواية "مدرسة الفروسية" حصريا ولأول مرة مجانا على النت ^^


    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

المواضيع المتشابهه

  1. هدية العيد من "مدرسة الفروسية" (:
    بواسطة alfurussiah في المنتدى مغامرات
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-10-2019, 03:38 PM
  2. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى تاريخ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-08-2015, 08:45 PM
  3. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى أكشن
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 08-08-2015, 03:06 AM
  4. الفائزة النهائية في مسابقة "حلقة بحث"
    بواسطة danomonitor في المنتدى زمردة
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 08-06-2015, 09:20 PM
  5. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-20-2012, 03:56 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •